أكتب لك الآن وأنت غارقٌ في نومك الهنيء؛ بعد أن كسرت غطاء أبريق فخاري كنت قد رسمت عليه وأنا في سن العاشرة، وقبلها منعتني من حضور موجز الأخبار بقولك: بعدين أخبار بعدين... (بارني) أحسن!، وأنا التي ملت من (بارني) بجوانبه المتهدلة طوال ساعات النهار، وأكتفي بالمتابعة معك وأحياناً تنهرني: اضحكي ماما اضحكي! يا قرة روحي ونصفي الأخير.. اليوم هو يومك الأول في الروضة، ولن أنسى طريقنا إليها هذا الصباح وأنت تطالع الدرب بحبور ولهفة وتشير بكفك الصغير كلما عبرنا قرب حافلة مدرسة برتقالية.. وأنا أدري أنك تشتاق لركوبها أكثر من الروضة.. وربما إذا لم نصمد من عبء الأقساط سأكتفي بتسجيلك بالباص فقط..
وربما أشغلك ذلك عن دموعي التي سكبتها وأنا آخذك بيدي للروضة، وأخذت بتذكر جوارب صغيرة كنا قد اشتريناها ووالدك قبل مجيئك لهذا العالم المضطرب، وكيف تخيلنا قدميك الجميلتين.. وها هي نفس الأقدام ستأخذك لدرب الحياة بعيداً.. أستذكر خطوتك الأولى التي خطوتها وسط الإثارة والتصفيق وها هي ذات الخطى ستبدأ بخطها لأيامك أنت، استذكرت تلك الأميبا اللعينة التي أصابتك قبل عامين.. وأتذكر كيف أن ظهري انحنى حينها من حزني الشديد من تلك الحمى التي كانت تفتك بك ليلاً لتقض مضجعك وتنقض عهد حياتي بك! أكتب لك الآن ولا أدري متى ستعي قراءة هذه السطور، وأكاد لا أجزم بشكل الأرض حينها، ولا أدري كيف سيكون وجه العالم.. لكن الأكيد أن أقطاب الأرض فقط ستبقى باتجاهاتها وما بينهما سيفقد البوصلة! وأهجس بمكانك حين قراءتها.. أتراك ستكون هنا؟ أم في بلد آخر؟.. أتراك ستقرأها قربي أم سأكون أودعتك قلقي وترجلت أنا عن الحياة..
يا سيف أن لك قلباً شفيفاً فاجأني ذات مرة حيث وجدت دموعك تنهمر بصمت على وجنتيك وأنت تتابع مسلسل كرتون في مشهد شجرة باكية، وأراك يا خميرة حياتي تكره الليالي الغائمة وتفزعك السحب الرمادية وتنتشي طاقة من الضوء.. كأنك يا سيف ستتمم قلقي المزمن.. وأخشى عليك يا عمري من طقوس الحنين وأسراره؛ فكلنا يا صغيري في الحنين جنوب.
سأتوقف عن الكتابة الآن فالليل يشارف على الانتهاء وما زال أمامي تنظيف حائط الصالون من خرابيش ألوانك.