كان عدد الاخوان المسلمين في جنوب الاردن من وادي الموجب الى العقبة لا يتجاوز اصابع اليدين في طليعة المنتصف الثاني من القرن الماضي، وكان الشاب عبدالمجيد الذنيبات احدهم، الذي حمل عبء نشأة الحركة الاسلامية في الكرك وما حولها، وكان في سيارته الصغيرة «الفوكس فاجن» تجوب القرى في المساحة المترامية الأطراف، عبر طرق ضيقة وعرة، وبعضها طرق ترابية من أجل محاولة الاتصال مع بعض الشباب التواقين لخدمة بلدهم ووطنهم عبر تنظيم اسلامي متدين، يستجيب لأشواق الفطرة السليمة، والانتماء الفطري الجميل، مع ثلة من اخوانه البسطاء، ولكنهم يحملون قسمات الرجولة الممزوجة بالعزم والتصميم، والخالية من شبهة البحث عن الاضواء الخافتة فضلاً عن الساطعة والمبهرة.
كان عضواً عن شعبة الكرك في مجلس شورى الجماعة لمدة طويلة ، ولأنه كان من المحامين القلائل الذين يحملون شهادة القانون في الجماعة، أصبح رئيساً للمحكمة العامة المنبثقة من مجلس الشورى لدورات عديدة، وأذكر عندما مثل الدكتور محمد عبدالقادر ابو فارس امام المحكمة التي يرؤسها المحامي عبد المجيد الذنيبات، على إثر الشكوى المرفوعة ضده بمخالفة قرارالجماعة عندما اتخذت قراراً بالمشاركة في حكومة مضر بدران عام (1990) على إثر الانتخابات البرلمانية العامة التي حققت الجماعة فيها فوزاً كاسحاً وحصلت على (22) مقعداً، فأصدر الدكتور محمد أبو فارس كتاباً ونشره على وجه السرعة يحرّم فيه المشاركة في الحكومة، فكانت نتيجة المحاكمة «العفو» واعتبر الاستاذ عبد المجيد ما قام به ابو فارس حريّة رأي.
شخصية الاستاذ عبد المجيد تميل نحو الهدوء والاتزان، مما جعله يحظى بثقة اخوانه ليصبح المراقب العام الجديد بعد الاستاذ محمد عبد الرحمن خليفة الذي بقي مراقباً عاماً للجماعة لمدة تزيد عن أربعين عاماً، وبقي مراقباً للجماعة لمدة (12) عاماً، لثلاث دورات متتالية، واستطاع ان يقود الجماعة في هذه الفترة الحرجة بطريقة سلسة، واستطاع استيعاب قسوة اخوانه وخشونتهم في المعارضة التي اطلعت على جزء منها حيث كان يتجرأ بعضهم على طرح الثقة بالمراقب العام بكل فجاجة في كل جلسة، ويضعها نقطة دائمة على جدول الأعمال، ولكنه كان يستوعب هذه الفظاظة بكل صدر رحب، ثم اصبح الاستاذ عبد المجيد عضوا في مكتب الارشاد لمدة طويلة كذلك وما زال، وعندما تم الاتصال به ليكون عضواً في مجلس الاعيان، ثارت ثائرة بعضهم وحملوا عليه حملة شعواء حتى اجبروه على الاستقالة، وفعلاً قدم استقالته من المجلس تحت ضغط حملات التشويه والتشهير، وحملات الضغط التي لم تنقطع في الاتصال بكل قيادات الاخوان في العالم.
أكثر ما يبعث على الاساءة ذلك التجرؤ غير الرجولي من بعض الطارئين على الدعوة والاردن في الاساءة الى شخصية عبد المجيد، وتسليط الضوء على بعض اخطائه ونشرها على الملأ، واصبح شغل القيادة الجديدة منصباً على تشويه شخصية الرجل وتحطيم رمزيته، وقد صدر له أمر في احدى المرات بعدم الكتابة بالصحف، واستجاب الرجل لهذا الأمر وصدع به وهو يعلم أنه محض قرار كيدي نزق.
عندما اتخذت الجماعة قراراً بمقاطعة الانتخابات عام (97) وكان على راس الجماعة حيث كان رايه على خلاف هذا الراي، ولكنه صدع لقرار مجلس الشورى وكان هو اول من تحدث مع الصحافة حول قرار الجماعة بالمقاطعة وقاد حملة لانجاح القرار بنفسه، مع العلم ان غيره مارس النقيض تماماً عندما كان على راس القيادة ممن يعطوننا دروسا في الالتزام والانضباط والنظام.
نشأ عبد المجيد يتيماً، ودرس ونال شهادته تحت طائلة الفقر والعوز حتى وصل إلى ما وصل اليه مثل غيره من الاردنيين دون شكوى او نقمة على احد، بينما من يحاكمه الآن درس في مدارس الجيش على نفقة القوات المسلحة، واكمل دراسته ونال شهادته الدكتوراه على نفقة الحكومة والجامعة الاردنية.
الاساءة الى عبد المجيد الذنيبات هي عنوان ازمة، تعيشها قيادة طارئة مأزومة، تعيش ازمة مع نفسها ومع افراد تنظيمها ومع رفقاء دربها، وتعيش ازمة مع القوى السياسية بكل اشكالها والوانها، وتعيش ازمة مع الدولة والنظام الرسمي، فهي لم تنجح ولم تحقق نجاحاً على اي صعيد، فتعمد الى افتعال الازمات للتغطية على العجز المتراكم والفشل المركب على كل الاصعدة وعلى كل المستويات، وهذا القرار الفج والمتسرع لن يمر بتلك السهولة التي يتوهمها بعض الاغرار وقصار النظر الذين لا يرون ابعد من ارنبة انوفهم. الدستور