أمام الإرهاب الداعشي المخطط له و المنظم بإمكانيات دولة ، و أمام هذا التبجح بالقتل و الذبح و الحرق و باستخدام تقنيات هوليوود كما ذكر المحللون ، لا زالت حكومات المنطقة تتخبط في مواقفها و تحالفاتها للقضاء على هذا ( البعبع ) الذي أشبه ما يكون بالفزاعة أو الدمية التي يضعها المزارع في الحقل لإخافة الطيور و العصافير و إبعادها ، و لا زال الحلف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عاجزا عن إلحاق أضرار حقيقية بهذا التنظيم ، الذي يعتمد أساسا في تسليحه و تموينه و تدريبه على ما يصله من مساعدات عن طريق حدوده المحيطة به و بخاصة تركيا و من خلال طرق معروفة للأمريكان أولا !!!!
في ظل هذه الفوضى و التناقضات ، لا تزال قوات البشمركة الكردية بالإضافة إلى المقاتلين الأكراد من الأهالي أنفسهم ، هي الوحيدة التي استطاعت إلحاق أضرار حقيقية بداعش و منعها من التوسع داخل أراضي جديدة على حدود كردستان بل و تراجعها من الاراضي الكردية التي احتلتها ، على الرغم من الحدود الطويلة و الممتدة بين الأراضي الواقعة تحت سيطرة داعش و الأراضي الكردية .
أمام هذه الحقائق و الوقائع ، ألا يجدر بنا ، نحن البلاد العربية المعرضة لخطر هذا التنظيم الإرهابي و تهديداته ، أن نتوجه إلى تحالف حقيقي مع جيراننا الكرد ، الذين أثبتوا جدارة في هذه المواجهة ، بالإضافة إلى ما يجمعنا معهم من تاريخ مشترك على مر العصور ؟؟؟
للأسف ، فضلت الأنظمة العربية التوجه إلى تحالف دولي غير مجدٍ يكلفها مبالغ هائلة ، على التوجه إلى الجيران الأقرب و الأولى تاريخيا و ثقافيا بالتحالف و التكاتف معهم ......نعم ، يقاتل الأكراد مع دعم أمريكي ، لكن هذا الدعم ليس هو الأساس و لا زال اعتماد البشمركة بالدرجة الأولى على قوة مقاتليهم الأشداء ، و إلا : بماذا نفسر عجز التحالف الدولي بقيادته الأمريكية و إمكانياته الضخمة أمام داعش ، في الوقت الذي حقق فيه الكرد نجاحا و اضحا في مناطقهم ؟ و لا ننسى من ناحية أخرى ، الرفض الشعبي لسكان المنطقة لفكرة التحالف مع الغرب و بخاصة مع الأمريكان ، و هو الأمر الذي لعبت عليه القوى الإسلامية المتطرفة لكسب تأييد شعبي لهذه التنظيمات مما شكل فجوة واضحة بين الشعب و حكومته و زاد من شعبية داعش عند البعض ، و هو ما نلاحظه من خلال الأعداد الكبيرة من الشباب العربي الملتحقين بداعش و التي تتزايد مع الوقت .
للأسف ، عملت الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية في العقود الماضية ، من بعثيين و قوميين على إيجاد هوة واسعة بين العرب و الكرد ، و نجحت في تعميقها مع الزمن ، و صورت لنا في مناهجنا التعليمية منذ الصغر ، الكردي كعميل أمريكي لتقسيم وحدة البلاد العربية حتى لو اقتضى الأمر تعاونه مع عدونا الرئيسي ( إسرائيل ) ، و أنه غير منتمٍ أبدا لهويته الوطنية ( العراقية أو السورية ) غير عابىء بما قد يصيب وطنه من ويلات طالما كانت بعيدة عن أراضيه و مصالحه !
والآن ، نرى على أرض الواقع ، و بعد سقوط هذه الأنظمة الدكتاتورية و التي أقامت مصالحها الخاصة على قاعدة الدعاية القومية و الوطنية ، أن واقع الحال كان العكس تماما ، وهو ما تأخر المواطن العربي عن إدراكه إلا بعد حين ، لنرى أن الكرد ، و على الرغم من الويلات التي عانوا منها على أيدي أنظمة عروبية تتشدق بالقومية و الوطنية ، لا زالوا منتمين لأوطانهم و لإخوتهم العرب المسلمين و بعيدون تماما عن أي محاولة من محاولات الثأر لما عانوه من تفرقة و عنصرية و ذل و مجازر على يد العرب و أنظمتهم لمجرد أنهم طالبوا بحقهم في الحكم الفدرالي الحقيقي داخل أراضيهم ، التي لم تعرف سكانا غيرهم منذ ما قبل الفرس و الروم و المسلمين .
لا زالت صورة الكرد مشوشة عند العربي ، و لا زال يرفض أن يتحالف مع أحفاد صلاح الدين و قادة جيوش المسلمين الذين كان لقوة بأسهم دور كبير في الدولة الإسلامية التي عشنا جميعا في ظلها ، لكن : إلى متى سيبقى الكرد مستعدون لمد جسور التفاهم و التعاون مع إخوتهم العرب بعد كل ما مر بهم من مواقف دموية ......و بعد ما لا زالوا يواجهونه من رفض عربي و سوء ظن بهم ؟ ........هل سنتمكن من تدارك هذه الفرصة قبل ضياعها؟