على ضفاف الدانوب هناك في بودابيست كان صف من الأحذية يتوسط النهر ومبنى البرلمان، تلك الأحذية ملتصقة بالرصيف حتى غدت معلما بارزا من معالم المدينة وللأحذية قصة تروى إذ تمثل المكان الذي وقف فيه بعض يهود هنغاريا صفا واحدا ليستقبلوا رصاص الجنود النازيين لتلقى جثثهم مباشرة إلى النهر.

بقيت الأحذية منذ ذلك التاريخ وحتى الآن تتوسط البرلمان والنهر لتخليد ذكرى المذابح النازية بحق اليهود الذين كانوا أول من ذاق الهوان في أوروبا التي رزحت ردحا من الزمان تحت الحكم النازي.

كل زائر إلى تلك المدينة الجميلة يجد من يتبرع بأخذه جولة فيها ولعل الأحذية تلك أول من يقف صفا لاستقبال الزائر .

يا الله كم هي ذكيه فكرة تحول الحذاء القديم إلى معلم من معالم إحدى أجمل مدن أوروبا وكم هي حيلة ذكية تحويل تلك الأحذية إلى رايات نصر لاحق على أمم أخرى.

أحببت تلك المدينة الوادعة وأود لو أنني أزورها كل ما سنحت لي الفرصة ليس لأتفرج على تلك الأحذية بل لأعرف عن كثب إلى ماذا آلت الأوضاع السياسية هناك فأحفاد أصحاب الأحذية لهم اليوم حزب ليبرالي ولعله مؤمن بالليبرالية الجديدة التي ترى بان الحل دائما يأتي من بوابة الخصخصة.

بالمناسبة الحزب الليبرالي هناك يحمل حقيبة الصحة ضمن الائتلاف الحاكم ويصر ذلك الحزب على خصخصة القطاع الصحي وبيع أصوله للقطاع الخاص الأمر الذي استفز قوى اليمين المتطرف ليخرجوا في مسيرة سلمية ولم أتابع بعد ذلك المشهد.

ليس مهما بالنسبة لي إن تمت خصخصة القطاع الصحي هناك فالليبراليون في بودابيست ربما يستضيفوا أصدقائهم إن الم بهم عارض صحي وربما أكون أنا ممن يستفيدون من الخصخصة الصحية إن كنت زائرا هناك وتوعكت صحيا لكنني بالمقابل لن أكون متعاطفا مع الليبراليين إن هم حرموا أي فرد هنغاري طيب من خدمات الرعاية الصحية بحجة انه لا يملك ثمن الدواء، فالشعب الهنغاري شعب طيب ومضياف ويمتلك حسا تاريخيا مرهفا ، شانه شأن سدنة المتاحف الذين يحفظون مقتنيات متحفهم.

سأزور بودابيست مرة أخرى وسأحاول أن لا أصاب بوعكة صحية فلا أريد أن يعالجني أبناء من سقطوا في المسافة بين البرلمان وضفاف الدانوب.
samizobeidi@gmail.com