هل تستحق الحكومة وأجهزتها التنفيذية، ومعها البلديات وشركات الكهرباء والمياه وغيرها، الشكر على أدائها خلال العاصفة "جنى"؟
السؤال من الأصل يبدو مستهجنا؛ فلماذا تشكر مؤسسات على أداء مهمات هي من صلب واجباتها، وتُموّل من جيوب دافعي الضرائب والرسوم؟
كان يمكن أن يمر اليوم التالي للعاصفة الثلجية من دون أن نتوقف عند هذا الموضوع. لكن تجارب المواطنين المريرة مع عواصف سابقة، تحولت إلى كوابيس بفعل الأداء المتردي للسلطات، هو ما يجعل من الوقوف عند "جنى" حدثا يستحث التعليق.
الشعور بعدم الثقة بقدرة المؤسسات على أداء وظائفها الأولوية، كان قد بلغ ذروته في سنوات سابقة، وأصاب قطاعات واسعة من الشعب بالإحباط. ومع تكرار الفشل، بدا للجميع أننا إزاء مرض مزمن ضرب مؤسسات الدولة في العمق، وشل قدرتها على الوفاء بأبسط متطلبات الحياة العامة للمواطنين.
الفرق الحاصل في الأداء، والذي ظهر في العاصفة السابقة "هدى"، وقبلها، منح المراهنين على صحوة الدولة ومؤسساتها بصيص أمل. ما كان بالإمكان أن تستمر الحال على ما هي عليه؛ فشل يفاقم أزمة الثقة، وينخر في العلاقة بين الدولة ومواطنيها.
كانت مشكلة عديد المسؤولين في السابق هي افتقادهم للحس العام في العلاقة مع الجمهور؛ ليس بما يتصل بقضايا السياسة والاقتصاد، وإنما بقطاع الخدمات تحديدا. موقف أغلب الناس من الحكومات، كما الشركات التي تقدم خدمة عامة، يقرر إلى حد كبير مزاجهم تجاه السلطة بمفهومها الواسع.
ولذلك، لم يكن مستغربا، والحال كذلك، أن يكون السؤال الدائم في الأزمات: أين هم المسؤولون؟ والجواب كان مباشرا وتلقائيا: في مكاتبهم المكيفة والوثيرة في العاصمة.
أفضل تطور حصل في العاصفتين الأخيرتين، وأزمات أخرى لا تقل أهمية، هو أن المسؤولين المعنيين بقطاع الخدمات كانوا في الميدان طوال الوقت. وزير البلديات يتنقل من مدينة لمدينة، يتابع العمل بنفسه. وزير الأشغال يشرف على فتح طريق المطار، ومن هناك يتوجه إلى عجلون التي عانت أكثر من غيرها جراء العاصفة.
أمين عمان ونائبه يتنقلان من حي إلى حي، وبين جولة وأخرى يشرفان على العمل من غرفة العمليات.
غرف العمليات كانت فيما مضى هياكل شكلية للبهرجة الإعلامية، لكنها مؤخرا تحولت إلى خلايا عمل حقيقية، تستجيب لنداءات المواطنين، وتدير العمل في الميدان. الفرق في ذلك كله هو توفر الإرادة للعمل، والأهم هو الشعور بالمسؤولية تجاه الناس، بوصف ذلك واجباً ينبغي على المسؤول أن يؤديه، وليس منّة أو تفضلا منه.
التجارب الأخيرة أثبتت أنه كلما ارتقى مستوى الاستجابة الرسمية للأزمات، يصبح الناس أكثر تفهما للمشاكل الناجمة عن تلك الأزمات. انقطاع الكهرباء، على سبيل المثال، في مثل هذه الظروف المناخية يلقى قبولا، إذا كان المتضررون على قناعة بأن هناك عملا جديا من طرف المسؤولين لإعادة التيار في أسرع وقت.
هكذا تُبنى جسور الثقة مع الناس؛ باحترامهم والاقتراب من همومهم، وليس تجاهلها كما كان يحصل في السابق. تلك هي وصفة النجاح، ويبدو أننا أصبحنا نتقنها أخيرا، في مجال الخدمات. وعسى أن تُعمم على مجالات أخرى في حياتنا، تنتظر من يصنع الفارق فيها. الغد