يغيب الزمان في حضن الزمان، والضباب الأبيض يتهادى وهذا المزج البديع بين بياض السهول والجبال والأشجار... نور على نور، وجمال بديع ما بعده جمال، والحروف تداعب حبات المطر المتساقطة على نوافذ البيت العتيق...توقظ الذكريات تلو الذكريات، والعين تعانق البعيد، وتوقد الزيت من جديد... وما زال الثلج يزين الساحات.
من شقوق الزمن أنظر اتأمل سحر وطني الفريد وسهوله الممتدة أمام ناظري، وعباءات الفرح بموسم ثري تدثرنا وتدفئنا، وما تكتنزه من خيرات الربيع القادم زهورا ملونة، وحشائش بديعة، ولارا تقطف بعضها وتشمها... وتبتسم وتنادي: تعالي ياجنى... جنى الحبيبة لا جنى العاصفة.
الثلج يغسل البشر، ومن منا لا يحتاج إلى الغسل من آثار الكذب والنفاق، والسياسة والحروب، وآكلي السحت الذين تركوا الأطفال في غزة وسوريا والعراق ... دونما دفء رغم آبار النفط وحقول الغاز...
وسهول حوران أدهشها البياض بعدما غرق نصفها لسنوات بالأحمر القاني، وأطفال وشيوخ سوريا أُشبعوا قصفا وجوعا وبردا... وقوافل الغرقى في قوارب الموت في البحار الغريبة ترتجف بردا وألما.
في غزة ودوما وبريقا وعرسال والزعتري... الثلج ليس كأي ثلج آخر، وكذا في كل منفى، لاجئون غارقون، يتنفسون البرد، ويلتحفون الريح، ويكرهون الساسة....
في عرسال والزعتري.. للثلج طعم آخر، ولون آخر، ورعشة أخرى، ولكنهم ما زالوا يأملون: في ذات ثلج سنعود إلى الوطن...
وأما القلب، فيرتل لكل الحزانى والثكالى: الثلج هو رسالة السماء، فأحيكوا الدعاء في حضرة الثلج، وابشروا برحمة الله تدثركم من البرد والوجع.