النائب الحروب تكتب : الحكومة تذبح البرلمان!!
21-02-2015 06:06 PM
بقلم النائب: د. رلى الحروب
أقدم رئيس الحكومة مع الاسف على تحويل طلب لديوان تفسير القوانين لتفسير مواد في النظام الداخلي لمجلس النواب، تتعلق بحق النائب في الاستعلام عن أسماء محددة وطلب وثائق محددة في توجيهه للاسئلة النيابية، وجاء رد الديوان مؤسفا أكثر حين مضى في اجتهاده الى أنه لا يجوز للنائب ذلك، وان الحق حصري للجنة النيابية فقط، مستندين الى وجود نص صريح حول حق اللجنة النيابية في طلب الوثائق، وعدم وجود نص صريح حول حق النائب طلب الوثائق في السؤال النيابي.
الطلب والرد كلاهما اعتداء لا نظير له على مجلس النواب ودور النائب الدستوري . لماذا؟
ما هي صلاحيات ديوان تفسير القوانين؟
نصت المادة 123 من الدستور على ما يلي:
1- للديوان الخاص حق تفسير نص اي قانون لم تكن المحاكم قد فسرته اذا طلب اليه ذلك رئيس الوزراء.
2- يؤلف الديوان الخاص من رئيس اعلى محكمة نظامية رئيسا وعضوية اثنين من قضاتها ، واحد كبار موظفي الادارة يعينه مجلس الوزراء، يضاف اليهم عضو من كبار موظفي الوزارة ذات العلاقة بالتفسير المطلوب ينتدبه الوزير.
3- يصدر الديوان الخاص قراراته بالأغلبية.
4- يكون للقرارات التي يصدرها الديوان الخاص وتنشر في الجريدة الرسمية مفعول القانون.
5- جميع المسائل الأخرى المتعلقة بتفسير القوانين تقررها المحاكم عند وقوعها بالصورة الاعتيادية.
نتوصل من النص السابق الى الحقائق التالية:
أولا ان الديوان يتدخل في غياب تفسير صدر عن المحاكم لقانون ما.
ثانيا: ان التفسير يختص بامور الوزارات، وهو ما تعكسه الفقرة 2 من المادة بوضوح، حين تحتم وجود موظف كبير من الوزارة ذات العلاقة بالتفسير المطلوب ينتدبه الوزير.
ثالثا: انه لم يرد نص اطلاقا يشير الى مجلس النواب أو نظامه الداخلي في المادة 123 من الدستور، خاصة وان النظام الداخلي لمجلس النواب ليس شأنا وزاريا ولا شأنا تنظره المحاكم.
بناء على ذلك، فإن المادة تشير بوضوح الى ان صلاحية الديوان محصورة في القوانين ذات الطابع الذي تنظره المحاكم ويخص عمل الوزارات، وليس في النظام الداخلي لمجلسي النواب او الاعيان، واجتهاد رئيس الوزراء بتحويل مواد في النظام الداخلي لمجلس النواب لديوان التفسير دون موافقة من مجلس النواب وفي غياب من يمثل مجلس النواب ضمن تلك الجلسة التفسيرية انما هو انتهاك اخر وتعد غير مسبوق من السلطة التنفيذية على صلاحيات السلطة التشريعية التي هي سيدة نفسها في اجراءاتها وتنظم نفسها بنفسها!!!
لماذا؟
النظام الداخلي هو تشريع يضعه مجلس النواب بنفسه ولنفسه لتنظيم عمله، وحق تفسير مواد النظام الداخلي يفترض أن يكون حقا حصريا للمجلس نفسه وللجنته القانونية، حتى وإن كان النظام الداخلي يعامل معاملة القانون من حيث الدرجة في الهرم التشريعي، ولكنه ونظام الاعيان قانونان يتمتعان بطبيعة خاصة، فلا دخل للحكومة في وضع ذلكما النظامين، لا في البداية ولا في النهاية، اللهم الا عبر رفعهما الى جلالة الملك – دون اي صلاحية دستورية بالتعديل او التدخل- ليصدرا باسمه باعتبارهما يستندان الى الدستور، وليس الى قانون، ومن ثم فإن قوة النظام الداخلي للمجلسين تعادل في نفاذها قوة القانون، والحقوق الممنوحة للنائب والعين بموجب النظام الداخلي هي حقوق دستورية.
من المؤسف أن هذا المجلس السابع عشر ارتكب خطأ مماثلا في بدء دورته العادية الاولى حين طلب من ديوان التفسير تفسير نص وضعه المجلس بنفسه حين عدل نصوص النظام الداخلي في الدورة السابقة فيما يتعلق بآلية انتخاب نائب رئيس المجلس، وقد حاولت وقتها ان اشرح للزملاء ان هذا امر يخص المجلس وان بوسع المجلس التصويت تحت القبة حول أي اجراء لان المجلس سيد نفسه بموجب الدستور، ولكن الزملاء حولوه الى الديوان للخلاص من الحرج مع الزميلين المعنيين بالموضوع، وسجلوا بذلك سابقة فتحت الباب لرئيس الوزراء للتعدي على صلاحية دستورية منحها الدستور لمجلسي النواب والاعيان لوضع الاحكام التي يرونها مناسبة لتنظيم دورهم الدستوري في الرقابة والتشريع، ولكن شتان بين ان يطلب مجلس النواب من الديوان تفسير نص اثار اشكالية تحت القبة، وان يطلب ذلك رئيس الحكومة ممثل السلطة التنفيذية!!! هذا فعلا تغميس خارج الصحن على حد تعبير معالي الزميل النائب والوزير الأسبق د. بسام حدادين!!!
لقد أقرت المادة 96 من الدستور حق النائب والعين في توجيه الاسئلة والاستجوابات، وجاءت نصوص النظام الداخلي لتستجيب لها، وبما أنه حق دستوري، فلنعد الى الدستور لنفهم ذلك الحق ومحدداته إن وجدت.
ماذا يقول نص المادة 96 من الدستور؟
يقول : " لكل عضو من اعضاء مجلسي الاعيان والنواب أن يوجه للوزراء اسئلة واستجوابات حول أي أمر من الامور العامة، وفاقا لما هو منصوص عليه في النظام الداخلي للمجلس الذي ينتمي اليه ذلك العضو....."، وهذا يعني ان هنالك محددين فقط اوردهما الدستور حول الاسئلة والاستجوابات.
المحدد الأول هو ان تكون حول امر عام، وكل اعمال الوزارات والمؤسسات الحكومية والشركات الحكومية وغيرها من اعمال السلطة التنفيذية هي امر عام لانها تتعلق بمصلحة عامة ومال عام.
والمحدد الثاني ان ينظمها النظام الداخلي لكل من المجلسين، وهذا النظام الداخلي يضعه مجلس النواب بنفسه ومجلس الاعيان بنفسه، أي ان الدستور منح المجلسين صلاحية مطلقة في تحديد الماهية والالية والكيفيات التي يوجها بها الأسئلة والاستجوابات.
أما أن يخرج علينا ديوان التفسير ليحد من صلاحية النائب في توجيه السؤال وطلب الوثائق والاسماء المتعلقة بالامور العامة والمال العام، فهذا تعد صارخ على دور النائب الدستوري وصلاحيته بالرقابة، عدا عن انه ينتهك حتى قانون حق الحصول على المعلومات الذي يكفل للمواطن العادي الحق في الحصول على اي وثيقة او معلومة طالما انها ليست سرية او محمية، فكيف نمنح المواطن حقا ننكره على النائب، وهل يستطيع النائب ان يحكم على صحة او خطأ اجابة الوزير او المسؤول المعني دونما وثائق تثبت ذلك؟ ومن اين سيحصل عليها ان انكرها عليه ديوان التفسير؟!!!
أزعم ان هذا الطلب الحكومي جاء للتنصل من أسئلة رقابية محرجة وجهها هذا المجلس، ومنها على سبيل المثال سؤال وجهته قبل أشهر الى وزير الطاقة لاطلاعي على نص اتفاقية شركة الكهرباء الوطنية مع نوبل انرجي لاستيراد الغاز من حقل ليفياثان امام سواحل حيفا، وحولته الى استجواب، لان الاجابات جاءت متناقضة وخلت من تزويدي بالاتفاقية، وبهذا التفسير الصادر عن ديوان تفسير الرأي لن يتمكن اي نائب من الاطلاع على اي اتفاقية او اي وثيقة، وبالتالي يحرم من القدرة على تفنيد اجابات الوزراء التي كثيرا ما تفتقر الى الدقة بل والصدق.
إن تفسير الديوان ليس انتهاكا دستوريا فحسب لدور النائب الرقابي وحقه في الحصول على المعلومة لاداء دوره كممثل للشعب في حماية المصلحة العامة، بل وخطأ فقهي بحد ذاته، فنص المادة 136 من النظام الداخلي ذاته - الذي استشهدوا ببعض المواد فيه وتركوا باقي المواد- يقول: " لكل عضو أن يطلب من الحكومة اطلاعه على اوراق او بيانات تتعلق بالاستجواب المعروض على المجلس، ويقدم الطلب كتابة الى رئيس المجلس"، فإذا كان هذا الحق في التزود بالوثائق ممنوحا لأي عضو بعد نهاية الاستجواب، أفلا يكون ممنوحا لصاحب الاستجواب ذاته؟!!!
أما الاستناد الى ورود نص صريح بحق اللجنة النيابية في طلب الوثائق في المادة 69 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وعدم ورود نص صريح بحق النائب صاحب السؤال في طلب الوثائق ضمن نصوص النظام، للخروج باستنتاج ان النائب لا يحق له طلب الوثائق، فهو عمل يخرج عن اختصاص الديوان المطالب بتفسير النصوص فقط لا استخلاص الاستنتاجات بشأنها مما لم يرد فيه نص، وهذا بحد ذاته خروج عن دور الديوان الدستوري الذي نصت عليه المادة 123 من الدستور، بل وإن تجاهل الديوان في تفسيره ذلك للعرف البرلماني الدارج منذ تأسيس مجالس النواب والذي كان يمنح النائب هذا الحق في الاطلاع على الوثائق لهو ايضا خطأ قانوني وقع فيه، فالعرف القانوني يرقى الى مرتبة القانون في حال غياب النص.
لقد أقدمت الحكومة بهذا الطلب على ذبح البرلمان، واضعة محددا جديدا لعمل النائب يحوله الى مجرد ديكور داخل المجلس، فالسؤال والاستجواب هما اهم الية دستورية للرقابة، وبدون وثائق وأسماء تصبح الاسئلة والاستجوابات مفرغة من مضمونها، ولا معنى لها، وهكذا تكون حكومة الدكتور النسور قد سلبت النائب كل ادواره، فقد صادرت الخدمات في هذا المجلس ولم تمنح النائب منها شيئا على العكس من المجالس السابقة، وها هي تصادر دوره الرقابي، وكان المجلس نفسه قد صادر دور اعضائه التشريعي حين لم يسمح بالمداخلات تحت القبة في القراءة الثانية للقانون الا لاصحاب المقترحات.
إذن، ماذا تبقى للنائب؟ّ!
على المجلس ان يرفض الانصياع لهذا القرار التفسيري في بيان يصدره، وأن يعيد صياغة نصوص نظامه الداخلي بحيث تكون واضحة لا لبس فيها ولا تسمح باجتهادات تفرغ دور النائب الرقابي والتشريعي من مضمونهما الدستوري وكي لا يترك الباب مشرعا امام اهواء السلطة التنفيذية للخلاص من سيف الرقابة الدستورية للنائب.