بين الراعي والفرزدق وجرير
علي عيسى بوحقب
21-02-2015 01:28 PM
ذكر أن عَرادة النميري كان نديماً للشاعر الفرزدق فقدم الشاعر الراعي النميري على البصرة فاتخذ عَرادة طعاماً وشراباً ودعا الشاعر الراعي، فلما أخذت الكأس منهما قال عرادة: يا أبا جندل قل شعراً تفضل فيه الفرزدق على جرير – فلم يزل يزين له الأمر حتى قال الراعي:
يا صاحِبَيَّ دَنا الأَصيلُ فَسيرا
غَلَبَ الفَرزدقُ في الهجاءِ جَريرا
فلما بلغ هذا البيت الشاعر جرير ذهب في يوم جمعة وقابل الشاعر الراعي بعد أن ذهب الناس، وقال له: إني وابن عمي الفرزدق نَستَبُّ صباح مساء فلا تتدخل بيننا، فقال له الراعي صدقت، وانصرف الاثنان.. وفي اليوم التالي التقى الشاعران جرير والراعي النميري وأخذا يتجاذبان أطراف الحديث ويسأل كل منهما عن أحوال الآخر.. فرآهما عبيد بن الراعي النميري فأقبل على فرس له وضرب وجه البغلة التي تحت أبيه وقال: مالك يراك الناس واقفاً مع كلب من كليب..؟ فاستاء جرير من هذا الموقف وانصرف مغاضباً، وظل طوال تلك الليلة يرتب قصيدة يهجو بها الراعي النميري، وكان له ما أراد حيث نسج قصيدته الشهيرة التي سماها (الدامغة) حيث يقول فيها مستهلاً بالغزل:
أَقِلِّي اللَّومَ عاذِلَ والعِتابا
وقُولي إِنْ أَصَبتُ لقد أَصابا
وهاجَ البرقُ ليلةَ أَذرِعاتٍ
هَوىً ما تَستطيعُ لَهُ طِلابا
فقلتُ بحاجَةٍ وَطَوَيتُ أُخرى
فَهاجَ عليَّ بينهما اكتئابا
وَوَجدٍ قد طَويتُ يكادُ منهُ
ضَميرُ القلبِ يَلتَهِبُ التهابا
سأَلناها الشِّفاءَ فما شَفَتنا
وَمَنَّتنا الـمَواعِدَ والخِلابا
ثم يبدأ بهجاء الفرزدق أولاً حيث يقول جرير:
لقد خَزِيَ الفَرَزدَقُ في مَعَدٍّ
فأَمسَى جَهْدَ نُصرَتِهِ اغتيابا
ولاقَى القَينُ والنَّخَباتُ غَماًّ
تَرى لِوكُوفِ عَبْرَتِهِ انْصِبابا
فما هِبتُ الفَرَزدَقَ قد عَلمتُم
وما حَقُّ ابنِ بَروَعَ أَنْ يُهابا
ويُعَرِّج بالهجاء على عرادة النميري حيث قال:
أَتَاني عن عَرَادَةَ قَولُ سُوءٍ
فَلا وأَبي عَرَادَةَ ما أَصابا
وكَم لَكَ ياعَرَادَ من أُمِّ سُوءٍ
بأَرض الطَّلحِ تَختَبِلُ الزَّبابا
إلى أن يصل إلى هجاء الراعي النميري قائلاً:
أَلَم تَرَني صُبِبتُ على عُبَيدٍ
وقَد فَارَتْ أَباجِلُهُ وَشابا
فَغُضِّ الطَّرفَ إِنَّكَ من نُمَيرٍ
فلا كَعباً بَلَغْتَ ولا كِلابا
فرد عليه الفرزدق بقصيدة قال فيها يهجو جرير:
وَطَايعَ ابنُ الـمَراغَةِ حينَ مَدَّتْ
أَعِنَّتُنا إِلى الحَسَبِ النِّسابا
وَأسلَمَهمْ وكانَ كَأُمِّ حِلسٍ
أَقَرَّتْ بعد نَزْوَتِها فَغابا
وَلَم تَرِثِ الفَوَارِسَ من نُمَيرٍ
ولا كَعباً وَرِثْتَ ولا كِلابا
ولكن قد وَرِثْتَ بَني كُلَيبٍ
حَظائرها الخَبيثَةَ والزِّرابا
وسلامتكم..
الشرق القطرية