طبقا لتعريفات كلاوتزفتز الذي يوصف بأنه أبو الاستراتيجية، الشرط الوحيد لقيام الحرب هو أن تكون الاختيار الوحيد. أي عندما تغيب كل احتمالات الحفاظ على السلام، أو عندما يتم استهلاكها جميعا ويجد رجال السياسة أنفسهم بعد فشل كل محاولاتهم الدبلوماسية، أمام حائط سد هو الحرب كاختيار أخير وحيد. أي أن الحرب بالدرجة الأولى قرار سياسي، أو كما يقال هي استئناف للدبلوماسية بوسائل أخرى. أي أن الأصل هو أن القرار بالحرب هو قرار سياسي. وربما كان ذلك هو السبب في ظهور مقولة إن الحرب أخطر من أن تترك للجنرالات وحدهم. غير أن الإقرار بصحة هذه المقولة لا ينفي أن الحرب أيضا أخطر من أن تترك للسياسيين وحدهم، وخصوصا عندما تضغط عليهم قوى الشارع الغاضبة فيضطرون لإرضائها باتخاذ قرار الحرب في وجود خيارات أخرى.
والسؤال هو: متى نعتبر أنفسنا في مواجهة اختيار وحيد؟ .. لنجعل السؤال أكثر سهولة، متى نحارب؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من التذكير بالتعريف الشهير للحرب «الحرب هي تدمير قوات ومعدات العدو عبر معارك بهدف فرض شروط السلام عليه». السلام بين الأطراف المحاربة إذن هو الهدف النهائي لأي حرب. وهو تعريف يفترض أن العدو على استعداد للوصول إلى سلام عندما يتيسر له ذلك. فهل العدو في الحرب التي تخوضها الآن الشعوب العربية يرغب في السلام أو يوافق عليه؟
هنا لا تسعفنا مقولات كلاوتزفتز، بل تدفعنا للبحث عن اسم آخر لما نظنه حربا بيننا وبين الإرهاب. ببساطة لأن هؤلاء الإرهابيين لا يريدون السلام. هم فقط يريدون شيئا واحدا؛ أن يقتلوا أصحاب الأديان الأخرى وأن يقتلوا أصحاب الأفكار الأخرى. هم باختصار قتلة اختاروا من نصوص الكتب السماوية ما يوافق أمزجتهم التي لا تعتدل بغير ذبح ضحاياهم علنا. هم غير صالحين أصلا للعيش في سلام في مجتمعاتهم، هم قتلة، والقتل هو المصدر الوحيد لإحساسهم بالارتياح واللذة. وبذلك يكون كل ما درسه الجنرالات في الأكاديميات العسكرية وفي المعارك الحربية عن الحرب، ليس له صلة بهذا النوع الذي نواجهه ضد هؤلاء الإرهابيين. ليس لهم قادة يشعرون بالألم عندما يموت رجالهم. هم أشبه بماكينات لا تشعر ولا تحس بانفعالات البشر العادية. هكذا تكون الحرب مع هؤلاء الماكينات الوحشية هو اقتلاعها من على ظهر الأرض. مع العمل على تغيير كل ملامح البيئة التعليمية والفكرية والثقافية التي أنجبتهم على المدى البعيد.
إن قتل الأقباط المصريين في ليبيا، ورد الحكومة على ذلك بضربات تأديبية، جعل الحرب مهما كان تعريفك لها اختيارا وحيدا بالنسبة لنا. لست أريد التدخل في عمل الجنرالات فلست عسكريا محترفا، أنا مجرد مواطن حصل على نصيب مناسب من قراءة التاريخ. لقد أثبت قادة الجيش المصري بضربة الطيران التأديبية التي ضربوا بها «داعش»، أنهم درسوها من قبل بوصفها احتمالا واردا.
حزن أكثر من هذا سوف يجيء، علينا على الأقل أن نتذكر إلى الأبد هؤلاء المصريين الذين واجهوا الموت في شجاعة وثبات. أعتقد أنه قد جاء الوقت لإعلان شراكة حقيقية بين الجيش المصري والجيش الليبي للقيام بعمليات ضد قوات «داعش» الليبية بهدف القضاء عليها كتنظيم وأفراد. كما أعتقد أن محاولة الإفلات من هذا الخيار أو تجاهله، لن يمنعهم من قتل المزيد من المصريين والليبيين. الشرق الاوسط