ليفني في الدوحة: المفرد .. بصيغة الجمع
عريب الرنتاوي
16-04-2008 03:00 AM
حرصت وزيرة الخارجية الإسرائيلية ، ومن على منبر الديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة ، على تلقين العرب دروسا في الأولويات ، وأولويات الأمن القومي كما رسمتها ضابطة الموساد السابقة ، تتجلى في التصدي لخطر الحلف الإيراني - الحمساوي ، إن جازت النسبة والتعبير ، فإسرائيل كما قالت سيدة الدبلوماسية والاستخبارات معا ، لم تخرج من قائمة الأعداء فحسب ، بل واستحقت عضوية نادي أصدقاء الأمة العربية وأشقائها ، حيث بات بمقدور أي مسئول عربي أو إسرائيلي بعد اليوم ، أن يقول "نحن" ، والـ"نحن" هذه تشملنا عربا وإسرائيليين ، ضد "الآخر" أو "الآخرين" الذين هم أركان "محور الشر" إياه ، تماما مثلما فعلت وزيرة الخارجية عندما تحدثت من الدوحة بصيغة الجمع.
لا يهم إن كانت السيدة قد اغتسلت من دماء أطفال غزة قبل أن تصل إلى الدوحة أم لا ، ولا يهم إن كانت الشريك الأكثر فاعلية في عمليات سلب الأرض ونهب الحقوق في الضفة والقدس والمقدسات أم الشريك الأقل فاعلية في ائتلاف الحاكم ، فلا أحد من العرب عاد يسأل مثل هذه الأسئلة "التافهة" ، طالما أن ديمقراطيتنا وتنميتنا وتجارتنا الحرة ، بل وحتى بقائنا في مقاعدنا ، قد أصبحت جميعها عناوين معلقة على شرط "تطبيعنا" مع إسرائيل ، لكأنه لا قيمة لنا بذاتنا ، بل بدرجة الرضا التي نسجلها على المقياس الإسرائيلي.
زيارة ليفني للدوحة لا معنى لها أبدا ، لا من حيث المغزى والموضوع ولا من حيث التوقيت ، وهي هدية مجانية تقدم لإسرائيل وحكومة أولمرت بين عدوانيين متتاليين على الشعب الفلسطيني: "الشتاء الحار" الذي انقضى من دون أن تندمل جراحاتها ، و"الصيف القائظ" الذي يقرع أبواب قطاع غزة المحاصر ، ويتوعده بمحرقة نازية جديدة ، وهي تأتي بالضد من منطوق مبادرة السلام العربية وفلسفتها التي علقت التطبيع على شرط السلام والانسحاب وإعادة الحقوق.
ليفني الشريك في قمع الفلسطينيين وتقتليهم ومصادرة حقوقهم واحتجاز 11 ألفا منهم ، ليفني التي تفرض حكومتها أشد العقوبات الجماعية على الفلسطينيين وتمنع حركتهم وتجارتهم وتتسبب في إعاقة تنميتهم وخراب اقتصادهم وبناهم التحتية ، ليفني هذه تأتي إلى الدوحة لتتحدث عن الديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة ، فأي "مسخرة" هذه ؟،
لو أن للديمقراطية والحرية مطرحا في إسرائيل ، لأنهت احتلالها للأرض والشعب وأوقفت ممارساتها العنصرية والنازية بحق أبنائه ومدنييه ، ولو أن للديمقراطية مطرح في الدوحة ، لكانت اليوم بصدد مراجعة سجل علاقاتها بالدولة العبرية كما فعلت موريتانيا (الديمقراطية حقا) التي قررت في توقيت متزامن - وبالصدفة طبعا - مراجعة علاقاتها الموروثة مع إسرائيل.
الديمقراطية في المعطى الراهن ، لا تنتج تطبيعا مع إسرائيل ، فالرأي العام العربي حانق على الاحتلال وجرائمه التي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب ، وهي - الديمقراطية - لا يمكن أن تكون ستارا لتسويق ليفني أو البحث عن "صكوك غفران" و"تأشيرات دخول" لأدوار مسرحية أقرب إلى التهريج منها إلى "الأدوار الإقليمية" المنشودة ، ودليلنا على ما نقول الاستطلاع الذي أجرته جامعة ميريلاند ومؤسسة جيمس زغبي في ست دول عربية ، والذي أظهرت نتائجه المنشورة بالأمس ، أن غالبية ساحقة من الرأي العام العربي ، تحتفظ بنظرة سلبية للولايات المتحدة وحلفائها ، ولا ترى في إيران عدوا لها ، وأن غالبية معتبرة من مواطني هذه الدول ، تؤيد حماس مقابل فتح ، وحزب الله مقابل ائتلاف 14 آذار ، بخلاف ما ذهبت إليه السيدة ليفني في احتفالية الديمقراطية والتنمية والتجارة الحرة ، والتي ذكرتنا بالاحتفالية التي خص بها معرض باريس للكتاب لدولة الاحتلال والاستيطان ، والتي قوبلت بالسخط والاستنكار والمقاطعة من قبل معظم الأوساط الثقافية والفكرية والإعلامية والسياسية العربية.