على النقيض تماماً من دعاية النظام السوري، لا توجد أي مصلحة أردنية اليوم في تغيير الوقائع في جنوب سورية، وتحريك تلك الجبهة للانقضاض على النظام في دمشق. وهو أمر يدركه المسؤولون السوريون تماماً؛ فلو فُتحت الجبهة الجنوبية عليهم حقّاً، لما صمد النظام السوري هذه المدة الطويلة.
إذن، لماذا هذا الهجوم الإعلامي على الأردن؟ الجواب أمران اثنان.
الأول، تبرير الخسائر الفادحة والفشل الذريع الذي مني به جيش الأسد خلال الأشهر الماضية في ريف درعا والقنيطرة، ما أدى إلى سقوط مواقع استراتيجية وسيطرة الثوّار على عتاد نوعي مهم. وهو ما دفع بقاسم سليماني (مسؤول فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني)، ومعه مصطفى بدر الدين (القائد العسكري لحزب الله)، إلى استلام زمام الأمور عملياً لتأمين المثلث الاستراتيجي (ريف دمشق+ريف درعا+القنيطرة)، ومحاولة حسم الموقف هناك، وتغيير الوضع الحالي الذي يمثّل خطراً محدقاً على قلب دمشق العاصمة، بخاصة بعد أن قام تنظيم "جيش الإسلام" بقصفها بالصواريخ.
الأمر الثاني، هو المبادرة بالهجوم السياسي والإعلامي على الأردن للضغط عليه، كي لا يقف في وجه هذه العملية العسكرية الخطيرة والمقلقة، والتي قد تدفع بمئات الآلاف من السوريين في ريف دمشق ودرعا إلى المغادرة، في حال استمر النسق الراهن من المجازر الدموية والقصف الذي يدمّر أي معنى للحياة في كثير من المناطق.
في الأشهر السابقة، أوصل "مطبخ القرار" في عمان موقفه بوضوح إلى الروس (حلفاء الرئيس الأسد)، بأنّ الأردن لن يسمح بأي هجوم بري على درعا، لأنّه يعني في نهاية المطاف، بالنسبة للأردن، نقل جزء كبير من الأزمة إلى الحدود الأردنية، مع احتمال لهجرة كبيرة، وهو أمر لم يعد الأردن قادراً على تحمله.
في سياق موازٍ، لا يبدو سير الأمور، سياسياً وعسكرياً، في العراق مريحاً. فالحكومة العراقية تتلكأ في تنفيذ إصلاحات سياسية عميقة، بالرغم من محاولات رئيس الوزراء حيدر العبادي. إذ من الواضح أنّ النفوذ الإيراني كبير، وأصبحت المليشيات الشيعية التابعة له أكبر حجماً من أي معادلة سياسية، ما يتناقض مع المقاربة العربية الرئيسة التي تقول بأنّ هزيمة تنظيم "داعش" عسكرياً مرتبطة بإدماج السُنّة سياسياً.
وبالرغم من الخسائر التي تكبدها "داعش" هناك، إلاّ أنّه حقق مؤخراً انتصارات عسكرية في الأنبار ومناطق أخرى، وصولاً إلى منطقة البغدادي. ولا يبدو المجتمع السُنّي مطمئناً للأوضاع السياسية، بخاصة بعد اعتقال النائب زيد الجنابي وقتل من كان معه؛ فهناك شعور سُنيّ بالقلق والتهديد والرعب من الأجندة الإيرانية، فضلاً عن معاناة عشائر الأنبار إلى اليوم من عدم تسليحهم جدياً من قبل الحكومة العراقية.
في نهاية اليوم، ما يحدث على الحدود الشرقية والشمالية الأردنية أصبح أمراً مقلقاً فعلاً، ومؤثراً على الأمن الوطني الأردني. وتبدو نظرية "الوسادات" التي اعتمدتها الدولة (أي الاعتماد على التحالف مع القوى السُنّية في الأنبار ودرعا) في مرحلة اهتزاز حقيقية. وإذا ما تدهورت الأوضاع أكثر، فإنّ البديل القادم على الحدود الشرقية والشمالية سيكون إما حزب الله والمليشيات الشيعية أو "داعش"؛ فالخطر على الأردن يبدو اليوم أقرب من أي وقت مضى! الغد