لم يتوفر إجماع حول الأولويات الوطنية الأردنية في أوساط النخب السياسية الأصيلة، كما هو متوفر اليوم. ففي لقاء جمع شخصيات من خلفيات سياسية وعسكرية وأمنية ودبلوماسية، برز توافق فريد حول مهمات وضرورات المرحلة المقبلة في الأردن، يمكن تلخيصها بالآتي:
الوقوف خلف الملك، ودعم خطواته في المجال الإصلاحي وفي الحرب على الإرهاب. مواصلة عملية الإصلاح السياسي، وإنجاز الأجندة التشريعية الخاصة بها، وتحديدا قانون الانتخاب. الضرورات الأمنية ينبغي أن لا تكون على حساب الحريات العامة بكل أشكالها. مواصلة الحرب على الإرهاب وتنظيم "داعش" بكل قوة، من دون الانجرار إلى حرب برية، وتقدير موقف الدولة الحكيم والواضح في هذا المجال. الحرص على دمج جميع القوى السياسية في عملية الإصلاح، وعدم إقصاء أي طرف، مع الإشارة إلى حزب جبهة العمل الإسلامي على وجه التحديد.
يضاف إلى ذلك كله التأكيد على أهمية السير في برامج التنمية، للتخفيف من ظاهرتي الفقر والبطالة، وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
لقد تبلورت ملامح مثل هذا الإجماع في السنتين الأخيرتين، لكن استشهاد الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وردّ فعل الملك ومؤسسات الدولة والشارع الأردني عليها، عززا الشعور العام بالمسؤولية لدى مختلف الأوساط، وبثا قدرا كبيرا من الطاقة الإيجابية في أوصال المجتمع، ساعدت إلى حد كبير في إدراك أهمية التوافق الوطني، والمضي في عملية الإصلاح لحماية مكسب كبير عز نظيره في الجوار؛ الدولة وسيادتها، كضامن لاستقرار البلاد.
هذا على المستوى الوطني. أما على المستوى الخارجي، فإن حلفاء وأصدقاء الأردن الأساسيين يدركون اليوم الحاجة إلى تحصين الأردن ودعمه، لمواصلة دوره الحيوي في المنطقة. وفي لقاء غير مخصص للنشر، قال دبلوماسي غربي رفيع المستوى إن بلاده لن تتخلى عن الأردن تحت أي ظرف، وستقدم له كل دعم ممكن؛ لتعزيز قدراته الدفاعية في مواجهة تحدي الجماعات الإرهابية، والسير في برامج التحديث الاقتصادي وتنمية المجتمعات المحلية، كما ستدعم خططه الإصلاحية في المجالات السياسية والاقتصادية.
وهناك بالطبع دول عربية "خليجية" أظهرت دعما ملموسا للأردن، مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين، أرسلت أسرابا من الطائرات المقاتلة لإسناد عمليات سلاح الجو الأردني ضد مواقع تنظيم "داعش" الإرهابي.
والولايات المتحدة الأميركية تستعد لتلبية طلبات الأردن في المجالات العسكرية والدفاعية، بعد أن تم التفاهم حول الأولويات في هذه المرحلة، بما يخدم سير العمليات الجوية على المدى المنظور.
بموازاة ذلك، هناك تقدير كبير لكفاءة الطيارين الأردنيين في تنفيذ الضربات الجوية بدقة عالية، وتحقيق إصابات مباشرة للأهداف.
ما أود قوله من وراء ذلك، أننا اليوم في وضع أفضل على المستويين الداخلي والخارجي. خلافاتنا أقل، وشعورنا بالمسؤولية الوطنية أعلى من السابق بكثير. والعالم ينظر إلينا باحترام كبير، ويرغب في مساعدتنا. علينا أن لا نضيع هذه الفرصة. الغد