دولة ملحدة والعياذ بالله ؟!
جميل النمري
18-02-2015 06:05 PM
اصدر عدد من الزملاء النواب بيانا يقولون فيه أنهم صدموا كما صدم أبناء الأردن كافة بكلام رئيس الوزراء حول مكافحة التطرف حين قدم توصيفا للدولة الأردنية فهم منه الزملاء كما لو أن الرئيس يريد الأردن دولة ملحدة.
وأنا احد أبناء الأردن الذين لم يفهموا الأمر هكذا ولم يصدمهم كلام الرئيس بل صدمني بكل صدق بيان الزملاء وهم قيادات برلمانية نوعية عقلانيون ومثقفون متنورون على تنوع ميولهم واتجاهاتهم لكن يبدو أنهم بعضهم اجتمع على فكرة واحدة هي الرغبة في مناكفة الرئيس واستثمار المناسبة لمهاجمته – لكن يا ليت لو اختاروا مناسبة وموضوعا أخر.
ففي هذا الشأن بالذات ( مكافحة التطرف) يجب أن نمارس دورا تنويريا للرأي العام ونشد أزر الدولة و نتكاتف بلا هوادة لمكافحة التطرف والشطط في أمور الدين وهذه الان مهمة وطنية مقدسة يجب إبعادها عن ميدان المناكفة السياسية مع الحكومة أو بين الفرقاء وليس استخدام الدين لتأجيج المشاعر والتأليب على الخصم وهذا ما أزعجني ويدفعني لمناقشة البيان .. وهاتوا نذهب إلى كلمة سواء.
لقد هالكم أن الرئيس قال اننا – دولة لا علمانية ولا دينية بل دولة مدنية - وأعطيتم للتعبير - لا دينية - غير معناه المقصود والبديهي في كل أدبيات وتاريخ الفكر السياسي وكانه يقول اننا دولة ملحدة – والصحيح ان المقصود ان الاردن " ليس دولة دينية وليس دولة علمانية " ( وحسب حضور فهو استخدم هذه الجملة الأخيرة) وهذا دقيق جدا حتى الإخوان المسلمين ينفون عن أنفسهم أنهم يريدون دولة دينية وفي وثائقهم منذ سنوات يتحدثون عن الدولة المدنية التي قلتم في بيانكم أنكم توافقون الرئيس عليها.
الدولة الدينية في الفكر السياسي وفي التاريخ هي الدولة الثيوقراطية – باللغة اليونانية التي تعود لها معظم المصطلحات السياسية في تصنيف أنواع الحكم – الدولة التي يحكمها رجال الدين او السلطة الدينية على غرار ولاية الفقيه في ايران او اي جماعة تقوم على السلطة وتفرض أحكامها على المجتمع وإفراده وكل ما يدور فيه باسم الدين سلطة ليس لها دستور مدني او عقد اجتماعي يتقرر بالتراضي بين أفراد المجتمع وهي بالطبع وبالطبيعة دولة طغيان مثل أي دولة أخرى تقوم على احادية السلطة الشمولية أكانت سلطة العسكر أو الحزب الواحد. والكثير من علماء المسلمين ينفون عن الإسلام مفهوم الدولة الدينية، والأردنيون يجمعون على العرش الهاشمي وعلى الدستور وعلى الديمقراطية وهذه الأسس الثلاثة معا هي عنوان الدولة المدنية وهذا لا يتعارض مع أن يكون الأردن دولة مسلمة او دولة دينها الإسلام. وانأ احتار اذا كان هذا المعنى قد غاب عن ذهن الزملاء حتى يتعوذون بالله مما نطق به الرئيس مع انه يقصد بالضبط أننا لسنا دولة ثيوقراطية كما شرحنا أنفا وبالطبع لسنا دولة علمانية حيث لا يتم تدريس الدين في المدارس ولا توجد محاكم شرعية ويوجد فصل تام بين الدين والدولة.
أما النقطة الثانية وهي أن الرئيس يبرر للاعتداء على المسلمين في الغرب مثل اغتيال الشباب الثلاثة رحمهم الله في تشابل هيل فهو استخلاص ظالم بكل معنى الكلمة وإنا لم افهم من حديث الرئيس سوى القصد الواضح بتحميل الجماعات الإرهابية مسؤولية تشويه صورة الإسلام في عيون الآخرين والإساءة إليه وخدمة أعداء العرب والمسلمين بتوفير اقوي أدوات الدعاية والتعبئة ضد الإسلام والمسلمين وبالنتيجة الإضرار بالمسلمين الذين يعيشون عند أمم أخرى مثل أوروبا والولايات المتحدة.
والنقطة الثالثة تتجنى بصورة فائقة على سياق حديث الرئيس بالقول انه ينسب الإرهاب إلى الإسلام فقط من بداية تاريخه! بينما الواضح أن الرئيس كان يتحدث بصورة محددة عن جذور التطرف في تاريخنا الإسلامي كما يفعل غيره في كل حديث ومداخلة يشار فيها الى تاريخ التطرف حيث أشار الرئيس إلى أمثلة مثل الخوارج وغيرهم ولا يمكن أن نفهم من حديثه انه ينفي وجود إرهاب لدى الفئات الأخرى وفي تاريخها فهذا كثير ولا يقنع أحدا ويستحيل بالطبع أن الرئيس يفكر أو يفترض ذلك فالتاريخ مترع بالعنف والوحشية والإرهاب عند كل الشعوب والأديان والحضارات وفي زمننا الحاضر فالإرهاب الإسرائيلي هو النموذج الأبرز والاعتى حتى أتت داعش لتغطي عليه وتحرف الأنظار عنه وتتسيد المشهد بالحرق والذبح وجز الرؤوس مما لا يطيق بشر سوي أن يراه، فقدمت أعظم خدمة للصهاينة حتى أن الأغلبية ما عادت تستطيع أن تعتقد إلا أن هؤلاء المجرمين هم صنيعة صهيونية لفرط ما يخدم هؤلاء كيان العدوان ويسيئون للعرب والمسلمين.
وبناء على الفهم والتفسير الخاطئ لكل ما قال الرئيس فان الموقعين قرروا أن كلام الرئيس "غير مسؤول ومؤذ لمشاعرنا وعقيدتنا كمسلمين ونرجو أن يتوب إلى الله عما نطق " – كما لو انه كفر - ولما كنت اعرف أن الموقعين ليسوا من التكفيريين أو المتعصبين ومغلقي العقول فإنني استكثرت عليهم هذا الكلام واستخدام هذه المناسبة بالذات للتعريض بالرئيس، وما كنت سأعلق على بيانهم لو كان الأمر لمناسبة أخرى سياسية أو اقتصادية فهذا من فروض الحياة السياسية الديمقراطية لكن ليس أن تستخدم التعبئة بالمشاعر الدينية على غير وجه حق وفي هذا الوقت بالذات فيما نحن بأمس الحاجة إلى نشر قيم الاعتدال والحداثة والتفكير العقلاني والتنوير في حملة وطنية مديدة لمناهضة التطرف افترض أن الموقعين بالذات يفترض أن يكونوا من قادتها وأركانها.
المقالة خاصة ب عمون