يهتم المسؤولون بأرقام محددة تعنيهم هم بالتحديد فهم لا يتوقفون عن الحديث عن انجازاتهم الاقتصادية في كل المحافل وجميع المناسبات، فمن ناحية نسمع كثيرا ان المملكة حققت معدلات نمو جيدة ومن ناحية اخرى يكرر المسؤولون عبارة "تقلص المديونية وعجوزات الموازنة والميزان التجاري" ولا ينفك هؤلاء بالتذكير بانهم تكمنوا استقطاب استثمارات بمليارات الدولارات دون الحديث عن عدد فرص العمل التي ولدتها.
المبرر الوحيد لمسلك بعض وزرائنا ومسؤولينا أنهم يسعون لتحقيق هذه الأرقام لاستخدامها في الخارج أمام الدول الدائنة للأردن وصندوق النقد الدولي التي تقيّم الاقتصاد الوطني بناء على هذه الأرقام التي وصل الحد بمسؤولينا تقديسها لدرجة صارت كل القرارات والسياسات تصب في خدمة هذه الارقام.
الأصعب من ذلك أن الحكومات تتغنى بزيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي وكأن النمو الذي تحقق غيّر حياة الاردنيين وقبلها حنى نمت هذه الحصة بنسبة 57 بالمئة بين الاعوام 2000 و2007 وصارت حصة كل أردني من النمو خلال هذه السنوات زيادة على دخله بقيمة 700 دينار سنويا للفرد.
لا يتوقف المسؤولون عن التغزل بهذه المؤشرات التي لا تعني للمواطن العادي الكثير، لكنها تؤكد قناعة مسؤولينا بقدسية هذه الارقام.
الاهتمام بهذه الارقام ليست مشكلة بل ان المازق الحقيقي هو اهمال ارقام اخرى تقلق جميع الاردنيين وتقض مضاجعهم، في وقت خبى حديث مسؤولين حول ما يهم المواطنين من ارقام وضعفت الاجراءات و"صفّت" الاستراتيجيات على الرفوف.
المؤشرات التي تهم الناس تقع في الطرف الاخر من ارقام المسؤولين منها معدلات الفقر التي زادت بشكل ملحوظ في السنوات الاخيرة نتيجة سياسات الافقار التي تتبعها حكومات للحفاظ على ارقامها المقدسة ومنها على سبيل المثال لا الحصر سياسة رفع الدعم عن المشتقات النفطية التي نفذتها حكومات على مدى اربع سنوات مضت لازالة التشوهات من الموازنة العامة دون الاخذ بعين الاعتبار الاثار الاجتماعية السلبية لمثل هذه السياسات على الفقراء وتلك الشريحة التي تتشبث لتبقى فوق خط الفقر بقليل.
من الارقام التي لا تلقى بالاً لدى المسؤولين البطالة التي تعصف بالمجتمع وتشكل خطورة عليه لا سيما انها تتركز في فئة الشباب الذين صاروا عرضة لضغوطات نفسية وارهاصات للحالة التي يعشيون فيها وما يرافق ذلك من انعكاس على المجتمع ككل وليس على هذه الفئة بعينها.
المهتمون بالارقام صاروا ينقسموا الى قسمين الاول يركز على الارقام والمؤشرات الاقتصادية البعيدة عن تفكير الناس والقريبة من المؤسسات الدولية، وفريق ثانٍ قلق بالمؤشرات التي تمس حياة الناس اليومية ومستوى معيشتهم الذي تراجع لاكثر من سبب منها تراجع القيمة الشرائية للدينار نتيجة سياسة ربط الدينار بالدولار.
تجاوز العديد من المشاكل يلزمه التفاتة الفئة الاولى إلى ارقام الفئة الثانية حتى يجدوا نتائج حقيقية اكثر تماسا بالناس واحتياجاتهم، وتوزيع اكثر عدالة لتقليص الفجوة التي بدات تتسع بشكل كبير بين الفقراء والاغنياء.
الحكم على مستوى انجازات اي حكومة مرهون بقدرتها على تحسين الارقام التي ترضي الشارع وليس تلك التي تهم جهات خارجية.