الكلام الذي قاله رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، في جمعية عيبال، بحضور عائلات الضحايا الأردنيين في الولايات المتحدة، كلام مهم، لأنه شخّص مشكلة الإرهاب، فعليا. كلام مهم ، دون مجاملات، لأنه ايضا، رفع الاتهام عن المسلمين، باعتبارهم وكلاء الإرهاب في العالم، وقد طرح انموذجين مهمين في سياق معالجته للإرهاب، ليأخذنا الى مربط الفرس بكل جرأة ودون تلاعب بالكلمات.
الرفاعي قال « الإرهاب لا دين ولا طائفة له، هذه حقيقة أثبتتها الوقائع والأحداث،والإرهابيّون، لا يكفِّرون الشيعة أو السنة، أو المسيحيين، إنما يكفّرون كل من يخالف مصالحهم، ويستبيحون دمه وعرضه وماله والإنسانية منهم براء، وإن جريمة قتل المسلمين في الولايات المتحدة، هي جريمة إرهاب أعمى و دليل أكيد على أن الإرهاب لا دين له، كما أن جريمة اغتيال إخواننا الأقباط المصريين، في ليبيا، هي عمل إرهابي جبان، يؤكد أن هدف الإرهابِ هو بث الفتنة والتفرقة والصراعات الداخليّة، ويزاود المجرمون الذين اتخذوا الدين غطاء لأفعالهم على بعضهم البعض فيتنافسون في قطع الرؤوس وجز الرقاب والقتل وإحراق البشر وتدمير كل قيم الحياة».
المسلمون في العالم هذه الأيام في وضعية الدفاع عن النفس، والذاكرة الأممية، لا تتوقف الا عند المسلمين للأسف، باعتبارهم سدنة الارهاب والقتلة فقط، والمؤسف اننا استغرقنا في وضعية قبول الاتهام، والانبطاح أرضا، والدفاع عن الذات.
في معالجة الرفاعي، تذكير بأن القتل لا دين له، وان القاتل قد يكون من أي أمة أو أي دين، والجرائم التي يمكن طرحها هنا في هذا العالم كثيرة.
لايمكن هنا، على سبيل الاستذكار مثلا ان نتحدث عن مقتل الطالبتين الأردنيتين،والزوج في الجريمة التي حدثت في الولايات المتحدة، من زاوية انهم كانوا ضحية لإرهابنا كعرب ومسلمين، وانهم تعرضوا للخطر، والموت، ردا على افعالنا، فهذا كلام يحملنا المسؤولية ويبرئ القاتل، ويريحه من هكذا كلفة، وهكذا تشخيص يتنباه البعض تشخيص جائر وغريب حقا، فالضحية باتت هي المسؤولة بدلا من القاتل.
أمم الدنيا شهدت ارهابا تاريخيا يفوق ارهاب داعش، فماذا نقول هنا عن ملايين القتلى بالقنابل والاسلحة الفتاكة، ماذا نقول عن الاسلحة النووية والكيماوية، ماذا نقول عن سدنة القتل من هتلر الى موسيليني، وصولا الى الضحايا في المدن العربية وتلك المدن كما في مدن اوروبا واليابان خلال الحروب؟!.
القتل واحد، ولم نسمع أحدا يوازن في الصورة النفسية، التي يراد توريطنا بها، اي اننا القتلة فقط، والشذوذ في النفس البشرية، قد يبحث عن فكرة سياسية او دينية او معتقد ليتبناها بحيث تكون مسوغا لجرائمه.
في كلام الرفاعي تشخيص حقيقي، ورد للتوازن الى مستواه الأعلى، واذا كان الدواعش مثلا او غيرهم، يتصرفون بمنطق ثأري او فكري، يفتقد الى الأخلاق، فعلينا جميعا ايضا ألا نتورط -من حيث لا نحتسب- في شرعنة افعالهم، باعتبار ان هذا الافعال سمة بشرية، فهذا غير جائز اخلاقيا.
افعال الأمم البشعة، لا تحتذى من جانب العقلاء، لكننا ايضا نقدر كلام الرئيس الاسبق، باعتباره لامس ميزان الوجدان، واستذكر ان فكرة القتل، فكرة رائجة لها انصارها في كل دين وامة، ومايوحد القتلة، نزعاتهم غير الاخلاقية في النهاية، دون ان يكون من حق احد نسب هذه النزعات الى اصل القتلة او جذرهم القومي او دينهم او منطقتهم.
"الدستور"
MAHERABUTAIR@GMAIL.COM