أنا ابن الحارة القبلية، طفل صغير الجسد في الحادية عشر ليلا من حياتي، اسمر اللون حوراني، شعري منكوش منفوش صباحا ومساء ، أطلق علي الجميع اسم اليتيم حتى نسي الجميع اسمي الحقيقي أو (اسمي الحكومي) استيقظ فجرا قبل الصلاة واغسل وجهي بماء بارد اغرفه من برميل وضعته أمي قرب الحنفية التي تنقطع طيلة أيام الأسبوع ، احمل بيدي كيسا اسودا وضعت فيه أمي الأرملة لفافة خبز مدهونة بالزيت ومرشوش عليها قليلا من الزعتر وانطلق بدعاء أمي (الله يزقك يا يتيم) اعمل على عرباية دز (دفع) ذات ثلاثة عجلات كتبت على أطرافها( رزقك يا كريم، و ابتسم لليتيم.. ودفشة يا شباب) انقل أكياس الطحين والسكر للدكنجية والفرانات واحمل بكس الكوسة والبندورة والبطاطة لنسوان الحارة من الحسبة للبيوت. احني ظهري الرقيق كلما صعدت بعربتيٍ طلوع المسجد الكبير واضعا كل قوتي بدفع العربة ثلاثية العجلات واضغط بكل جسدي على قطعة الكوتشوك التي استعملها بدل البريك في نزول المسجد.
اعرف كل البيوت التي اعمل على توصيل المواد التموينية إليها واعرف دكاكين الحارات كلها فأقوم بتوصيل ما احمله على عربتي إلى مكانها قبل وصول صاحبها، تسعيرتي ثابتة لا تزيد عن الربع دينار ولا تنقص على كل نقله من الحسبة ولا تقل المسافة التي اقطعها دافعا حمولة عربتي عن ثلاث كيلومتر.
لا أتوقف نهائيا ،طول اليوم اعمل وأتحرك باستثناء مروري من أمام المدرسة ورؤيتي طلبة المدارس فاني أتوقف، وأتوقف طويلا ماسحا دمعتي بكم قميصي الذي تغير لونه وشكله، وأتذكر انه كان لي في يوم من الأيام اسم حكومي وكان لي صف وزملاء مدرسة ومعلم ورحلاية وكتب ودفاتر وأقلام ملونة وطابور صباحي انشد فيه نشيد العلم ومصروف أخذه من والدي وسندويشه تجهزها لي أمي وتدعو لي كل صباح (الله ينجحك يا ابني).

royaalbassam@yahoo.com