لست من أنصار استدعاء المؤامرات الخارجية , فكل ما ينجح في صناعته الأخرون في منطقتنا لم يكن ليتحقق لو لا أنه وجد هوانا قاده الى نجاحه , ومن ذلك ما يتردد بشأن الأصابع الاسرائيلية في داعش النشوء والرعاية , وحتى بعض الاعتداءات المصطنعة من إسلاميين متطرفين في أوروبا.
لكن لا يمكن تجاهل أن إنقلابا جوهريا وقع لصورة إسرائيل في مرآة الرأي العام العالمي منذ العدوان الاسرائيلي على غزة في آب من العام الماضي وخلال أشهر معدودات.
كانت إسرائيل في مواجهة العالم كله كعنوان للارهاب وقتل الأطفال والنساء في غزة وهي اليوم ملاذ آمن لا يلام على ما فعل ويفعل ما دام أن هناك من يذبح ويحرق بأبشع مما تقترفه آلة الحرب الاسرائيلية ضد من يذبح ويحرق ويروع الناس اليوم !!
لنرجع الى الصورة كما كانت وكما أصبحت عليه فها هو ذا نتنياهو يستثمر اللحظة , ويدعو يهود أوروبا للهجرة إلى ملاذه الآمن ، فأصبحت إسرائيل من عنوان لإرهاب الدولة الى ملاذ آمن له كل الحق في محاربة الارهاب العربي والاسلامي.
خلال عدوانها الأخير على غزة , زادت معدلات الهجرة الداخلية والخارجية كمؤشر على مظاهر عدم شعور الإسرائيلي بالأمان ففي استطلاع للرأي نقلت أجزاء منه القناة العاشرة الإسرائيلية حينذاك أن 21% من سكان جنوب إسرائيل يفضلون الانتقال منه أو السفر للخارج كما توقفت السياحة تماما وأصبح مطار بن غورين أشبه ببيت للأشباح ونشرت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، في ذلك الوقت مقالة قالت فيها أن إسرائيل باتت اليوم أخطر مكان على اليهود في العالم جراء تداعيات العدوان على قطاع غزة، و أنها لم تعد حتى البيت والملجأ القومي بل أصبح يهدد اليهود في كل مكان آخر..
على مستوى الرأي العام العالمي ، عمت المظاهرات المناهضة لإسرائيل ، جميع أنحاء العالم، بشكل غير مسبوق ، تعبيراً عن الغضب الشعبي تجاه المجازر التي إرتكبتها في غزة وملأت بيانات الاحتجاجات الرسمية فضاء العالم وبأشد الكلمات قسوة ففي أمريكا اللاتينية التي دان زعماؤها بشدة جرائم إسرائيل ألغيت زيارات مقررة لزعماء ، ووضعت إسرائيل على قائمة «الدول الإرهابية» وصرف لأفعالها أوصافا غير مسبوقة مثل «الإبادة الجماعية و «مذابح مروعة»
ليس ذلك فحسب بل إن الاتحاد الأوروبي جمد محادثات تطوير العلاقات مع إسرائيل وأوقفت ألمانيا منحة مالية لها وقاطعت كثير من المؤسسات والمنظمات المدنية الأوروبية إسرائيل وبرزت مشاعر كره شديد و عداء متزايد تجاه إسرائيل و سياساتها الاستعمارية و ممارساتها الدموية ، في البلدان الداعمة لها مثل بريطانيا التي تبنى مجلس عمومها قراراً تاريخياً طالب الحكومة البريطانية بالاعتراف بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل وتبدلت مواقف فرنسا و بلجيكا و إيطاليا و إسبانيا والصين واليابان وحتى الولايات المتحدة الأمريكية وخرجت مظاهرات في مختلف المدن الأمريكية حتى أن أبرز المشاهير في السينما والفن والآداب إنضموا الى موجة الغاضبين على اسرائيل.
من أخرج إسرائيل من مأزقها ؟ موجة كراهية الرأي العام العالمي ضد الاحتلال الاسرائيلي الذي رأى صور المذابح في غزة تحولت اليوم الى موجة كراهية أشد عنفا ضد الاسلام والعرب بفضل داعش , فمن المستفيد؟
"الراي"
qadmaniisam@yahoo.com