"ثورات الربيع العربي" .. والرومانسية المفقودة!
د.زهير أبو فارس
17-02-2015 02:08 AM
قد يستغرب البعض هذا الرابط بين الرومانسية والثورات، لأننا اعتدنا أن نربط هذا التعبير بالأدب وبالعلاقات العاطفية بين الناس.
لكن، وعودة الى صلب الموضوع، نقول، بان الدولة القوية تستمد شرعيتها وقوة كيانها من قيمها الانسانية في الحرية والعدالة والكرامة وحقوق مواطنيها الأساسية، إضافة الى ثقافتها، بكافة عناصرها، والتي تعبّر عنها وتعكسها المشاعر والتراث والفولكلور، الذي يختزن التاريخ وأنماط الحياة، بل والذاكرة الجمعية لمجتمعها. وهذه هي عناصر الرومانسية لأي قوم أو أمة متجانسة بتاريخها وحضارتها وتطلعات ناسها. وهي تتناقص تماماً مع الدكتاتورية والتسلط، والظلم، وامتهان كرامة الانسان، وكبت الحريات، بما فيها حرية الرأي والتنظيم، والابداع بكافة أشكاله.
وهذه المفاهيم تنطبق تماماً على الثورات، بل وتتجلى فيها بشكل واضح، ولم يكن ممكناً للثورات الكبرى التي ساهمت في إحداث التحولات الهامة عبر التاريخ بدون الأفكار والقيم التي تحملها. فبداية التاريخ الاسلامي (الاسلام الأول) شكّل ثورة حقيقية بأعلى درجات الرومانسية، عندما كان الحق والحرية والعدل والمساواة المحرك الحقيقي لتلك الأحداث العظيمة التي عصفت بعرب الجزيرة في تلك الأزمنة، وانتقل تأثيرها ليكون عابراً للامصار، بل وكافة بقاع المعمورة. كما لم تكن العديد من الثورات اللاحقة في أوروبا وغيرها، بعيدة عن التأثر بهذه المبادئ والقيم، ومنها مقولة عمر الفاروق الشهيرة: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم أحراراً” ؟!
من جهة أخرى، فإن الثورات الناجحة في بلادها، والتي ألهمت الآخرين في أماكن بعيدة عنها، تميّزت دائماً بقيادات تاريخية غير عادية، من حيث رومانسية ظهورها ونشاطها، بل وأنماط حياتها، والمفاهيم الانسانية التي كرّست حياتها من أجلها. وهي في المحصلة تلتقي حول قيم الاستقلال والحرية والديمقراطية والعدالة والحياة الكريمة وصيانة الحقوق الانسانية إيّاها. والى جانب هؤلاء القادة – الفلاسفة، وُجد المثقفون من الأدباء والشعراء والفنانون بمختلف ألوانهم وابداعاتهم، ممن أناروا طريق الثورات وألّبوا الجماهير، وبثوا فيها روح النضال والتضحية.
هذا ما كان في الثورات الأمريكية، والفرنسية، والروسية، وهكذا انتصرت ثورات التحرر والاستقلال في الهند، وكوبا، وفيتنام، والجزائر، وجنوب افريقيا، وغيرها.
وسيبقى أمثال جيفارا، وهوشي منه، ونلسون مانديلا، وغيرهم، أيقونات تُجسد النضال من أجل القيم الانسانية السامية والملهمة للتضحية والفداء في سبيلها.
أما ما يخص “ثورات” أو “انتفاضات” الربيع العربي، فإننا نزعم أن جزءً هاماً من اسباب فشلها يعود الى غياب الرومانسية التي أشرنا اليها، وبخاصة في المراحل المتقدمة منها. إذ لا يمكن لأي ثورة أن تنتصر، وترسخ جذورها، وتكون مقبولة وخياراً للشعب، ليحتضنها، ويدافع عنها، ما دامت تمارس على الأرض ما كانت قد ثارت عليه، ضاربة بعرض الحائط مصالح ومصائر الناس العاديين والبسطاء، الذين تحولوا الى حطب في نيران وحرائق الصراعات والفتن من أجل المصالح والنفوذ ، والتي عصفت بكيانات ومقومات الدول قبل أي شيء آخر، وفتحت جروحاً بين مكونات المجتمعات العربية من الصعب اندمالها خلال العقود المنظورة القادمة، ناهيك عن تدمير البنى التحتية والمقدرات الاقتصادية، والتي ستدفع شعوبنا العربية وأجيالها القادمة فاتورتها الباهظة. ولكن، وللأسف، هناك من لايزال يعيش حالة “الانكار” لهذا الواقع الأليم!
وأخيراً، فإن تجارب التاريخ والقوانين الاجتماعية تؤكد، مرة تلو الأخرى، أن الثورات والانتفاضات الاجتماعية، تنتصر عندما تنضج ظروفها الموضوعية، وتستكمل كافة عناصر رومانسيتها وأخلاقياتها الثورية – الانسانية، التي أشرنا اليها، ثم ما تلبث أن تنتكس وتنهزم عندما تفقدها أو تتراجع عنها. وهذا ما نشهده الساعة مع “ ثورات الربيع العربي..!
يقول تشي جيفارا: "ما يؤلم الانسان أن يموت على يد من يقاتل من اجله..”! الدستور