انتشرت في نهاية السبعينيات مقولة مشهورة وجدلية للرئيس المصري الراحل أنور السادات، شكلت عنوانا للسياسة المصرية في عهده، وهي أن 99 % من أوراق اللعبة في المنطقة العربية بيد الولايات المتحدة الأميركية.
إذا صحت مقولة السادات في ذلك الوقت، فإن عكسها صحيح الآن. إذ إن 99 % من أوراق اللعبة اليوم هي في يد فاعلين إقليميين؛ دول وحركات.
لكن أخطر ما في هذا التحول بميزان القوى، هو دور الحركات السياسية والجماعات المسلحة. فمن السهل التنبؤ بموقف الدول الإقليمية الفاعلة؛ تركيا وإيران وإسرائيل، لكن من الصعوبة على ما تبقى من دول متماسكة في المنطقة أن تصوغ استراتيجية للتعامل مع الحركات والجماعات النشطة، والتي أصبحت تنافس الدول على دورها، لا بل وتحتل مكانة تفوق مكانة الدول أحيانا.
بالنسبة لدولة مستقرة مثل الأردن، يعد هذا الوضع تحديا كبيرا، يفرض عليه مراجعة سياساته، وخياراته الأمنية والعسكرية. لقد تعود الأردن على التعايش مع جيران مستقرين إلى حد كبير، لكنه اليوم إزاء وضع مختلف، ومتغير بشكل دراماتيكي، تتغير فيه هوية الجيران على الحدود بطريقة دراماتيكية؛ ينام على حدود مع العراق يسيطر عليها الجيش النظامي، ويصحو وإذ بها تحت سيطرة جماعات مسلحة.
مع سورية حدث وضع مشابه، لا بل أكثر تعقيدا. فمنذ سنتين تقريبا، دانت السيطرة لجماعات مسلحة، بينما تشير المعطيات الحالية إلى إمكانية عودة جيش النظام السوري للسيطرة على المناطق الحدودية.
في أحوال كثيرة، وجد الأردن نفسه مضطرا للتعامل مع تلك الجماعات. لكنه، ولغاية الآن، يمتنع عن تطوير مقاربة شاملة، تعرف علاقاته بالفاعلين غير الرسميين في الإقليم. وينسحب ذلك على الساحة الفلسطينية أيضا.
نسجت مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية علاقات وثيقة مع قوى وجماعات عراقية وسورية، ترابط في مناطق قريبة من حدوده. غير أنه، وعلى خلاف دول أخرى، لم ينشئ جماعات مسلحة أو مدنية تابعة له بالمعنى والوصف الذي فعلته دول منافسة في الإقليم.
كان الهدف من هذه العلاقات، على الدوام، هو خدمة المصالح الأمنية الأردنية، ومصالح الشركاء الاستراتيجيين في الحرب على الإرهاب.
السؤال: ماذا لو تغير الوضع على الحدود السورية مثلا، ووجدنا حزب الله يحل مكان الجماعات المحسوبة على الجيش الحر في درعا وجوارها؟
على الحدود مع العراق، قد يكون الوضع مختلفا بعض الشيء؛ فالعلاقة متشعبة وممتدة مع قوى عشائرية تسكن المنطقة، وليس جماعات مسلحة متحركة. لكن ماذا لو سقطت محافظات غرب العراق في يد مقاتلي "داعش"؟ يقول مسؤولون أردنيون إنه في منطقة الرطبة وحدها يتواجد نحو 2500 من عناصر "داعش".
الثابت في المقاربة الأردنية حيال كل هذه التطورات، هو الاعتماد الكلي على الجيش الأردني والمؤسسة الاستخبارية في تأمين سلامة الحدود، للحؤول دون انتقال الجماعات المسلحة إلى داخل أراضي المملكة، والتفكير بضربات استباقية للجماعات الإرهابية في حال خططت لهجوم على الأراضي الأردنية.
بموازاة هذا الدور الذي تلعبه المؤسسة العسكرية، يتعين على المؤسسة السياسية للدولة وأدواتها التنفيذية، التفكير بمقاربة سياسية للتفاعل والانفتاح على جميع الفاعلين في الإقليم، دولا وحركات، لتأمين المصالح الأردنية على المدى الطويل، خاصة وأن الحلفاء الدوليين ليسوا في وضعية تسمح لهم بتقرير مصير الأحداث؛ فأوراق اللعبة لم تعد في يد واشنطن، وأكثرها صار مبعثرا في يد قوى المنطقة. الغد