دعوْنا في المقال السابق إلى ترسيخ مفهوم «كل مواطن غفير»، لبناء جبهة داخلية متماسكة وراء قواتنا المسلحة، التي صارت محط آمالنا، نظرًا لتميزها في الأداء، الذي صار علينا ان نقتدي به لنرسخ بنياننا الوطني على ذات الأسس التي أوصلت قواتنا المسلحة إلى ما هي عليه من تميز، وحتى يتم هذا، فإن علينا ان نستذكر منظومة القيم التي تحكم أداء جيشنا العربي فنجسدها في سائر مكونات دولتنا ومجتمعنا، وأول ذلك: أن نتوقف عند الشعار الذي ترفعه قواتنا المسلحة، أعني به الجيش العربي، فهو شعار يذكرنا بأن الدولة الأردنية الحديثة قامت كدولة رسالة ودور.
فقد قامت المملكة الأردنية الهاشمية كقاعدة لتحرير بلاد الشام أولاً، ومن ثم تحقيق وحدة بلاد العرب.. لذلك سمي جيشها (بالجيش العربي)، وكانت حكوماتها وأجهزتها الإدارية تضم كفاءات من البلاد العربية المختلفة تكريسًا لمفهوم الدور والرسالة التي أسس الأردنيون دولتهم الحديثة لحملها، وصار الآن على أجهزتنا المدنية ان تتذكر أنها أجهزة دولة رسالة ودور، وان عليها ان ترتفع إلى مستوى الرسالة والدور من خلال تقديمها نموذجًا يحتذى في الأداء، وفي حماية ورعاية حقوق الوطن والمواطن، كما كانت حال الإدارة الأردنية في عهود ما زالت قلوب الأردنيين معلقة بها.
ومثلما تذكرنا قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية بأننا دولة رسالة ودور، فإنها تذكرنا بأنه مثلما أن للجيوش المحترفة (كجيشنا العربي) عقيدة قتالية تحكم أداء وسلوك ضباطه وأفراده، فانه يجب ان يكون لأجهزتنا المدنية الرسمية، والأهلية «عقيدة أداء» تحكم سير هذه الأجهزة لتحقيق أهدافها.
وعند الأهداف لا بد من التوقف طويلاً.. ففي الوقت الذي نلمس فيه ومن خلال الأداء العملي ان الأهداف واضحة تمامَ الوضوح لقواتنا المسلحة ولأجهزتنا الأمنية، فإننا نلمس ومن خلال الأداء أيضًا ان الكثير من أجهزتنا ومؤسساتنا في القطاعين (الرسمي والأهلي) ان يكون لها أهداف واضحة كالتي لدى هذه الأجهزة أو القائمين عليها، كما هي الحال في قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، صاحبة الرؤية الواضحة والأهداف المحددة.
وفي إطار دعوتنا إلى الاقتداء بعسكرنا من خلال تجسيد منظومة القيم والمفاهيم والتقاليد التي تحكم جيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية، فإننا ندعو إلى الاحتكام في أجهزتنا المدنية إلى الآليات التي تحكم قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، ليس فقط في اختيار المنتسبين إلى هذه الأجهزة ابتداءً من الشروط والآليات التي يتم على أساسها اختيار هؤلاء المنتسبين، والتي لا يمكن الحياد عنها لأي سبب من الأسباب، أو تحت أي نوع من أنواع الضغط، وهذا يعني ان تتخلص من الواسطة والمحسوبية والجهوية، وما نتج عنهما من خراب نُعاني منه في جهازنا الإداري، بل اننا ندعو أجهزتنا المدنية إلى الاحتكام إلى منظومة القيم والتقاليد التي تحكم المنتمي للأجهزة الأمنية لتحكم المنتمي لأجهزتنا المدنية طيلة سنوات خدمته، لأن ذلك يعني ان الموظف المدني سيكون منضبطًا في أداء واجبات وظيفته، مستوعبًا لدوره فيها.
فقد صار من مشاكلنا ان النسبة الكبرى من الموظفين في الإدارة العامة في بلدنا ينسون ان الوظيفة خدمة، وانهم موجودون في مؤسساتهم لتقديم هذه الخدمة لمن يستحقها، وانه ليس من حقهم هدر وقت العمل في غير تقديم هذه الخدمة وإنجاز ما يناط بهم من أعمال.
ومع الانضباط الذي يجب ان يسود العاملين في أجهزتنا المدنية اقتداءً بأبناء قواتنا المسلحة، وأجهزتنا الأمنية يجب ان يتصف هؤلاء العاملون بالاحتراف، كما هو شأن أبناء قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، فمن الملاحظ أيضًا انه خلال السنوات الأخيرة بدأ الكثير من العاملين في الأجهزة المدنية يفتقرون إلى أقل المقومات التي تؤهلهم للقيام بالمهام المناطة بهم، في الوقت الذي يجب ان يتمتعوا به بالاحتراف في أداء هذه المهام، أسوة بما هي عليه الحال لدى أبناء قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية.
قيمة أخرى من قيم العسكرية الأردنية نتطلع إليها من خلال الاقتداء بعسكرنا هي قيمة التراتيبية في العسكرية الأردنية، وهي القيمة التي تجعل الأدنى يحترم الأعلى، والأعلى يرحم الأدنى ويعلمه، وتجعل للأقدمية قيمتها ودلالاتها، ولأهل الاختصاص المكانة التي يستحقونها، كما تجعل لمبدأ الثواب والعقاب دوره في ضبط الأداء العام، وتحفيز التميز، وغياب هذا كله من المشاكل التي تعاني منها الإدارة الأردنية. الرأي