كلّ الشخصيات السياسية الأردنية على رأسنا ، فنتّفق معها أو نختلف حسب التوجهات والظروف ، ولكنّنا نظلّ نكنّ لها كلّ الاحترام والتقدير ، وفي أخبار أمس أنّ عبدالهادي المجالي أسرّ لأصدقائه عدم نيّته للترشح للانتخابات النيابية ، فاسحاً المجال لغيره من الشباب ، وتاركاً الفُرصة لآخرين يكملون المسيرة ، وهذا ما يدفعنا إلى الكتابة عن الرجل. وقد يكون الباشا المجالي أكثر من اختلفنا معه خلال العشرين عاماً الأخيرة ، وكان ذلك طبيعياً باعتباره ظلّ حاضراً في السياسة المحلية الأردنية طوال تلك الفترة وبشكل يومي ، يحمل وجهة نظر واضحة ، وينفّذ أفكاره على الأرض ، ومع كلّ المطبات التي ظهرت في طريقه هنا وهنا ، فقد كان قادراً دوماً على تجاوزها ، وتثبيت نفسه رقماً صعباً في معادلة السياسة المحلية.
وأتذكّر أنّ المجالي كان ديمقراطياً ، متقبلاً للخلاف ، مستوعباً للاختلاف منذ كان مديراً عاماً للأمن العام ، فوافق في يوم على الحديث معنا عن صفقة سيارات الأودي التي شغلت الرأي العام الأردني حينها ، وتحدّث بصراحة مطلقة ، ونشرنا الحديث تحت عنوان: "هذه هي قصّة الأودي"، وأثبتت الأيام أنّه كان على حقّ حين بيعت السيارات المستعملة بعدها بسنوات بسعر فاق السعر المشترى به.
وتقلّد الباشا مناصب كثيرة في الدولة الأردنية ، ولكنّ عصره الذهبي كان في الوظيفة الشعبية ، وبسرعة البرق لم يكتف بكونه نائباً عادياً ، فقفز ليصبح الرئيس المزمن لمجلس النواب ، ونعرف الكثير من القصص عن محاولات تحجيمه ، والتحالفات التي تشكّلت لهذه الغاية بين أطراف لا تجمعهم فكرة سوى وقف نموّه السياسي ، ولكنها كلّها كانت محاولات يائسة ليظلّ عبدالهادي المجالي رقماً صعباً غير قابل للكسر.
وأظنّ أنّه يعطي بعدم ترشّحه للانتخابات النيابية لجميع السياسيين مثلاً في اختيار التوقيت المناسب للتخلي عن موقع ما ، وإذا كنّا نعرف الرجل ، ونعرف طريقة تفكيره ، فنحن نعرف بالضرورة أنّه لا يتقاعد هنا من العمل السياسي ، فهذا أمر يجري في دمائه ، ولكنّ الواضح أنّه سيتحوّل إلى ممارسته عبر أساليب أخرى ، ليكون العرّاب لتوجّ سياسي ما ، ولو كنتُ مكانه لاستثمرت شيئاً من وقتي لكتابة مذكرات تستعرض تجربة طويلة ثريّة من العمل المتنوّع ، وتحيّة من القلب للباشا عبدالهادي المجالي.