بوتين في رحاب (أم الدنيا)، يا مرحبا
د.حسام العتوم
11-02-2015 05:31 PM
أنها الزيارة الأولى التي قام بها رئيس الفدرالية الروسية المحبوب وسط العرب فلاديمير بوتين إلى القاهرة عاصمة مصر (أم الدنيا) تاريخ 9/شباط الجاري/2015، ومن يزور مصر كمن يزور العرب كلهم، هكذا نقول مع خالص الاحترام لكل دولة عربية على انفراد، فحاجتنا للوحدة العربية هي الهدف بعاصمة واحدة، وجيش واحد، وعملة واحدة، وجواز سفر واحد، واقتصاد واحد، وسياسة واحدة، وهي كالزيارة الرئاسية الروسية الأولى التي قابلت زيارة رئاسية مصرية مماثلة قام بها لموسكو الرئيس الوطني والقومي العربي المهذب عبدالفتاح السيسي، ولقد سبقها بزيارة أولى عندما كان وزيراً للدفاع وبعد إطاحته بالإخوان المسلمين بزعامة محمد مرسي في ظل انتقادات أمريكية واضحة فما هي معاني هذه الزيادة الروسية الهامة الآن؟
الاستقبال الرسمي المهيب للرئيس بوتين في قصر القبة في القاهرة وقبله في المطار الدولي بمشاركة طاقم السفارة الروسية هناك برئاسة صديقي السفير سيرجي كيربيجينكا والذي سبق له أن عمل سفيراً في دمشق وقائماً بالأعمال في عمان له مدلولاته الدقيقة أولها بأن روسيا دولة عالمية عملاقة مرحب بها في مصر العرب من دون أدنى اعتبار لبقايا الحرب الباردة بين أمريكا تحديداً وبينها، وهي المرفوضة روسياً بكل الأحوال وتعمل جادة وسطها لإبقاء الحوار عالي المستوى وللوصول لمرحلة إنهاء سباق التسلح والعودة للتنمية المشتركة لما فيه كل الخير للبشرية جمعاء، وثانيها هو أن روسيا تبحث مع مصر ومن خلالها صداقة مع العرب وليس عن أحلاف (على طريقة الموديل الأمريكي) لتحقيق مصالح اقتصادية مشتركة على رأسها توسيع مظلة التبادل التجاري البالغ مع مصر فقط حوالي (4,5) مليار دولار ومع العرب حوالي (14) مليار دولار، والعلاقات الروسية مع مصر تاريخية تعود لعمق البناء السوفيتيين أي منذ 26/أغسطس 1943، وهي اقتصادية عالية المستوى ومنها العسكرية، والسد العالي في أسوان خير شاهد، ولا نسى هنا بأن الرئيس الأسبق مبارك كان أحد خريجي معاهدها العسكرية العالية في مجال الطيران، وهو من ساهم في تعزيز علاقات مصر التاريخية مع روسيا عبر زياراته المتكررة لها سابقاً بين عام 1997 و2006، وقد قام الرئيس بوتين بزيارة عمل سابقة للقاهرة عام 2005 جعلت من سفير روسيا مفوضاً مخولاً لدى جامعة الدول العربية، وثالث معاني الزيارة الروسية هذه يكمن في تشابك قضايا الشرق العربي السياسة ووقوعها على مسافة قريبة من الحدود الروسية ومن القضية الأوكرانية الدموية أيضاً.
مهم بالنسبة لروسيا الإسناد المعنوي المصري والعربي لقضية شرق وجنوب أوكرانيا التي يعاني أهلها من ظلم النظام الأوكراني الانقلابي الجديد برئاسة بيترو باراشينكا وهم الراغبون بحكم ذاتي وحياة مستقلة في إطار وطنهم أوكرانيا الموحد جغرافياً والمنقسم سياسياً واقتصادياً، وهم الرافضون للحرب معهم من قبل أبناء بلدهم في الجناح الغربي جنوداً كانوا أم مواطنين، والذين يعتبرون من حقهم البقاء على صداقتهم مع حليفتهم التاريخية روسيا التي لم تنقطع عن مساندتهم مادياً وإنسانياً ومعنوياً حتى الساعة، وتعتبر أي روسيا بأن الحرب الأوكرانية هي داخلية وليست حربها ولا مخرج لأوكرانيا من أن تعود صديقة إستراتيجية لها في وقت لن تنفعها إغراءات أمريكا الاقتصادية ومنها العسكرية، وفاتورة الغاز والكهرباء والفحم الأوكرانية ستبقى موشحة بالخاتم الروسي وبأسعار تفضيلية، وفي المقابل لن تسمح روسيا لأوكرانيا ولا حتى لأمريكا من استخدام أرضها سوقاً لمنافسة سلاحها الروسي ومقابلة سلاحها ومواجهته بنفس الوقت، وستبقى أوكرانيا دولة مستقلة وجارة تاريخية ومعاصرة لها وفي قولي هذا رسالة موجهة للعرب لدراستها والاستماع لها.
فيما يتعلق بتنظيم (داعش) الإرهابي وكافة فصائل التطرف في الشرق العربي فإن الهاجس الروسي والمصري والعربي عموماً واحد، فمشروع عصابات الدولة (الإسلامية) محارب من الطرفين ومن كل العالم، ولروسيا دور أساسي وهام في ملاحقته وتطويقه في سوريا وفي العراق لكي لا يلامس حدودها ومصر تلاحقه على أرضها في سيناء أيضاً، ولا خوف على نظام الأسد جراء ملاحقة وقصف داعش في سوريا من قبل قوات التحالف فالهدف ليس دمشق التي أعلنت رفضها استخدام التدخل العسكري البري وهو الذي لن يكون، والوضع في العراق مختلف تماماً ولا خوف على بغداد من مطاردة داعش في الموصل وفي غير مكان، وفي الملف الفلسطيني يتقدم الدور الروسي على الأمريكي في مجلس الأمن ويتعامل معه بجدية ووضوح ويطالب بما يتناسب والطموح الفلسطيني في تحقيق بناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وتجميد بناء المستوطنات رغم العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية المتينة بين موسكو وتل أبيب، وروسيا داعم أساسي للسلاح العربي الذي أثبت جدارته في حرب أكتوبر 1973 وفي الحرب العراقية الإيرانية على سبيل المثال لا الحصر.
الرئيس بوتين أطلع نظيره الرئيس السيسي على الحوار السوري بين السلطة والمعارضة الذي جرى مؤخراً في موسكو متمنياً أن يقود مواصلة الحوار هذا في بلاده إلى إنهاء الاقتتال وعقد السلام، ويذكر هنا بأن روسيا استخدمت حق النقض (الفيتو) لمنع فرض الخيار العسكري من قبل حلف (الناتو) بقيادة أمريكا كحل للأزمة السورية الدموية ولضمان فتح آفاق الحوار والتعاون من أجل طرد الإرهاب والتطرف، والزيارة الروسية الرسمية هذه استمرت بالإعلان عن مشروع نووي سلمي روسي متكامل من حيث الإعداد والتدريب، واستيراد القمح، وتعزيز للعلاقات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين.
الروبل الروسي الذي يمثل العملة الوطنية رافق الرئيس بوتين في زيارته لمصر هذه ليبحث عن مخرج له ولكي يتعافى خاصة وأن سعر تصريفه أمام اليورو الأوروبي بلغ (54) روبل لكل يورو واحد منذ إنشاء اليورو عام 1999، وبلوغ سعر تصريفه أمامه الدولار (42,6) والمعروف بأن روسيا صعّدت من نشاطها الاقتصادي في الخارج في عهد بوتين وهو في أحسن أحواله الآن، لكن روسيا التي تعتمد على تصدير النفط والغاز والكهرباء والأخشاب والمصادر المعنية الثمينة الأخرى هي بأمس الحاجة اليوم لإعادة بناء وتشغيل مصانعها سواء التي ورثتها عن الاتحاد السوفييتي أو تلك التي أسستها حديثاً بعد ذلك، وفي المقابل يتحدث الشارع الروسي اليوم عن ضرورة رفع مستوى مكافحة الفساد الكبير الذي يشجع على ممارسة الفساد الصغير، ومجرد ارتفاع عدد أعضاء نادي المليارديرية والمليونيرية الروس في العاصمة موسكو والبلاد الأوروبية مؤشراً على ذلك، وعلى ضرورة أن يطرح قصر الكرملين سؤال وطني روسي أمامهم: (من أين لك هذا؟) ومن ثم كثيراً ما أصبحنا نسمع في ترحالنا إلى عمق بلاد الروس بأن الحكومة الروسية برئاسة رئيس وزرائهم دميتري ميدفيديف، لا تتحسن بحدية كبيرة على مستوى واقعهم الحياتي الاقتصادي والخدماتي ويشكون من ارتفاع أسعار بيع المحروقات والغاز والكهرباء لهم رغم أنه من إنتاجهم الوطني، كما يتظلمون من تفاوت الفجوات المقدمة للمدن الروسية بحيث يغيب تعبيد الشوارع عنها وبنسبة مئوية عالية بسبب أن المدن الكبيرة تأكل إنتاج الصغيرة والعاصمة تأكل إنتاج الكل ولا تعود بالفائدة للمدن إلا بنسبة ضئيلة لا تتجاوز الـ(15%).