ألعاب الحروب .. وحروب الألعاب
صبري الربيحات
10-02-2015 05:40 PM
في معظم مدن الملاهي التي يقبل عليها الصغار هناك العاب متعددة ومتنوعة اعدت بعناية وجاذبية واتقان يصعب ان ترى مثلها.. قتال في المدن واطلاق نار واستخدام للطائرات والقنابل وتسديد على اهداف وإبادة للعدو واصوات تجعلك تعيش اجواء الحرب فتسمع الانفجارات وترى الدخان وأعمدة اللهب تنبعث من الأهداف التي مكنت التكنولوجيا من تدميرها.
يقبل الأطفال على ماكنات الالعاب هذه ويمضون وقتاً طويلاً تتغير فيه ملامحهم ويرتفع لديهم مستوى التيقظ والتحفز ويدخلون في مزاج الحرب وما تفضي اليه من نشوة الانتصار أو الرغبة في الانتقام.
القليل من الاطفال يقبلون على الالعاب التي تخلو من الاكشن السينمائي العنيف الذي اصبح اكثر مصادر الجذب للاطفال ومطلباً رئيساً لهم عند نجاحهم في اقتياد الآباء الى متاجر الالعاب ومراكز التزويد لمحطات لعبهم الالكتروني في بيوتهم.. اطفالنا يعرفون الاشرار وافعالهم وادواتهم وقدراتهم وينجذبون لهذه الشخصيات التي لا يتوقفون عن تقليدها وتمثل سلوكها..
على الجانب الآخر تشتعل الحروب الحقيقية في جنبات اقليمنا وعلى حدودنا وفي معظم الاتجاهات.. وتتسرب قصص الموت والدمار وشواء البشر لابنائنا من خلال التلفزيون ووسائل الاتصال الاخرى..
مناظر الاقتتال والتفجيرات التي يراها الصغار على نشرات الاخبار وافواج الداعشيين وهم يتقدمون بسياراتهم المسروقة ولحاهم الملونة وراياتهم السوداء واللباس الذي جاء تقليدا للشخصيات التي ابتدع مظهرها المخرجون السينمائيون للافلام التاريخية.. تجسر الفجوة للصغار بين عالم حروب الالعاب التي يمارسونها في العالم الافتراضي والعاب الحروب التي تحتدم في معظم البلدان العربية المحيطة بنا والبعيدة عنا.
الاطفال يعيشون في فضاء مفتوح على العنف والخوف والكراهية... فقد اصبح الموت والقتل الموضوع الابرز لنشرات الاخبار .. ولم يعد بمقدور الاهالي الاجابة على الاسئلة التي يطرحها الصغار حول ماهية الاقتتال واسباب التنكيل ومعاني الموت.
في الزمن الغابر كانت المنظومة الاخلاقية التي لم يعترها الفوضى تساعد الآباء على تعريف الخير وشرح دلالات الشر ودعوة الصغار الى ملاحظة التفاعلات واستنباط الاحكام ضمن القواعد التي يتوافق عليها غالبية الناس من كل الثقافات, اما اليوم فلم يعد ممكنا ان تقدم قاعدة لا يجد السامع او المستقبل شواهد على بطلانها بعد ان اختلط الحابل بالنابل وتداخلت نوازع الخير مع غايات وادوات الشر. فقد دخل الجميع في حمى الفوضى الاخلاقية التي لا تميز بين المقاصد والمواقف.
العاب الحرب او كما يسميها العسكريون " War Games" اصبحت تسيطر على عالم الصغار واربكت الكبار الذين لم يعد بمقدورهم الاجابة على الفرق بين رجال داعش وقرندايزر والهولك... فقد اختلطت حروب الالعاب بالعاب الحروب..
المسألة اصبحت أعقد مِن مَن سينتصر في النهاية بل كيف سيصبح هذا الجيل الذي ولد ونشأ خلال الاعوام الاربعة الماضية وهل يمكن ان يكون له مستقبل في هذا العالم الذي اصبح كله افتراضياً؟!