المقولة المتكررة عن تجفيف منابع الإرهاب تبقى ناقصة إذا اقتصر معناها على البُعد الميداني، فمنابع الارهاب ليست سلاحا ومالا فقط، انها افكار وتعاليم وغسيل أدمغة لهذا لا بد من ثقافة تحمل مضادات جذرية لهذه الافكار، فمن تصطادهم الجماعات الارهابية هم على الأرجح من ضعفت لديهم المناعة، سواء بسبب الجهل او التهميش وما يفرزه من انحرافات نفسية وشهوة انتقام.
ورغم كل ما يقال عن الثقافة المضادة للارهاب الا ان ما يمارس في هذا السياق ما يزال محدودا، ومنه ما يقدم بتردد وعلى استحياء، لأن الابتزاز باسم الدين يتطلب كشفا صريحا عن اقحام الخرافة التي لا تستند الا لخيال أسود واذا كان هناك بالفعل قرار دولي تسهم فيه البشرية كلها ضد هذا الوباء فإن مواجهة اطروحات الارهاب يجب ان تكون مباشرة ولا تحترز من التأويلات التي تنتهي الى التكفير .
والمقاربات النفسية لظاهرة الإرهاب تجزم في شبه إجماع على أن الإرهابي هو بعكس ما يحاول التظاهر به من قوة وامتلاء وتماسك، فهو في حالة ذعر دائم لكنه لا يجد فرصة للتراجع او النجاة، لأنه احرق السفن ومن يتولون امره يعاقبونه على الفور بما لا يقل عن عقاب من يتصورون أنهم أعداؤهم، وللمثال فقط أعدم الداعشيون ثلاثة صينيين بعد يوم واحد فقط من اقتراف الجريمة التي اصابت العالم كله بالصدمة والغثيان وهي احراق الشهيد «معاذ الكساسبة»، لمجرد انهم حاولوا الخروج من الزنزانة الواسعة التي تضم آلافا ممن تورطوا، لهذا فالارهاب ينتهي الى ان يأكل نفسه، لأن الانتحار في بذور مشروعه، حتى لو كان آخر من يعلم لأنه مضاد للحياة ومُتخصص في صناعة الموت، وأفراده يعيشون في جحور بعيدا عن الشمس شأن كل الكائنات السامة التي ان لم تجد من تلدغه لدغت نفسها لأنها لا تستطيع احتمال فائض السمّ الذي يملأ قلبها .
التثقيف المضاد لفقه النحر والانتحار يجب ان يبدأ من التحليلات النفسية والاجتماعية التي أنجزها علماء وباحثون متخصصون في هذا المجال، واول ما ينبغي ايضاحه للناس هو ان افتعال الغموض الذي يمارسه الارهابيون هو مجرد قشرة او غطاء لإخفاء خوفهم، فهم يشعرون بأنهم منبوذون ومحكوم عليهم بالموت.
وهناك رسم كاريكاتوري نشرته احدى الصحف الاوروبية عن بندقية الارهابي، فهي ذات فوّهتين، واحدة تتجه الى الآخر، والثانية تتجه نحو نحره، ولهذا السبب لم يحدث ان ربح الارهاب في التاريخ معركة واحدة! الدستور