وسط هذا الفيض من مشاعر التضامن التي تغمر الأردنيين بعد جريمة "داعش" البربرية بحق الطيار الشهيد معاذ الكساسبة، يخطر في البال أكثر من سؤال، يخص بالدرجة الأولى الدولة، ونخبها من سياسيين واقتصاديين ورجال أعمال.
هل يمكن لأحد من هؤلاء الساسة وأصحاب الثروات الذين ينعمون ويستفيدون من حالة الاستقرار التي نعيشها في الأردن، أن يقبل بالتحاق أحد أبنائه بسلاح الجو الملكي، وأن يحلق بطائرته يوما فوق الرقة والموصل؟
لست واثقا من الجواب؛ فعديد الساسة تحاملوا على أنفسهم لركوب السيارة من عمان إلى عيّ لتقديم واجب العزاء بالشهيد. وتمنى بعضهم لو أن عائلة الكساسبة تفتح بيت عزاء في عمان!
لا يمكنني أن أتخيل استمرار معادلة السلطة في البلاد كما كانت من قبل. نحن بحاجة ماسة اليوم إلى إعادة تعريف النخب، ومن يستحق أن يكون في عداد هذه الفئة. كما نحن بحاجة إلى إعادة النظر في توزيع مكتسبات التنمية في عموم البلاد.
أعرف محددات الدستور فيما يخص اختيار أعضاء مجلس الأعيان مثلا، وأتمنى لو كان هناك مجال لتعديلها. فليس من الإنصاف أن لا يكون أهل التضحيات من الأردنيين في طليعة أعيان الأمة. أعيان الأمة هم أولئك الذين يقدمون لمجتمعاتهم خدمات تُحدث فرقا في حياة المواطنين، وليس فقط لحفنة أشخاص أصبحوا بقرار أو بالصدفة أحيانا رؤساء حكومات ووزراء، وتجارا حققوا مكانتهم الاقتصادية من جيوب الناس.
المعلم المبدع، والطبيب الذي يخدم في المناطق النائية، والعسكري الذي يغفو فوق دبابته على حدود البلاد، والمزارع الذي يغرس شجرة في الصحراء؛ كل هؤلاء أولى بالمناصب من غيرهم. كل هؤلاء أولى بالتكريم من نخب متثاقلة وكسولة في عمان.
المعادلة السائدة حاليا ليست منصفة ولا عادلة. بفضل آلاف الجنود المرابطين على الحدود مع العراق وسورية، ومثلهم من الرجال الساهرين في شوارع المدن، ينعم ملايين الأردنيين بالأمن والاستقرار. من حق هؤلاء أن يحصلوا على أفضل تعليم وطبابة لعائلاتهم. ومن واجب الدولة ونخبها أن تمنحهم أرقى خدمات البنية التحتية؛ شوارع (هل شاهدتم حال شوارع بلدة الشهيد الكساسبة؟)، ومراكز صحية، ومدارس، ودور ثقافة وملاعب.
ليس عدلا أن ينال أبناء الميسورين في عمان تعليما أفضل منهم، وخدمات أرقى. ومن الظلم أن يكون حظ طالب، فقط لأن والده مقتدر، مقعدا في أفضل جامعات العالم، بينما يكابد أبناء الفقراء في الأرياف والمخيمات من أجل تأمين الرسوم الجامعية.
جموع المواطنين الذين أظهروا في الأيام الماضية أنبل وأعظم ما في الأردنيين من شيم واستعداد للتضحية من أجل وطنهم، يستحقون حياة أفضل. الطيارون الشجعان الذين تحدوا تهديدات الإرهابيين، وخطوا أسماءهم على الصواريخ التي دكت أوكار أولئك الإرهابيين، هم الأولى بالمنح في الجامعات الغربية العريقة.
أولئك الرجال الذين احترق شهيدهم في معركة الأمة مع الإرهاب، أولى بالعينية وكل مناصب الدولة من بعض الساسة الذين كانوا وما يزالون عالة على الدولة؛ كلّفوها هم وأبناؤهم مبالغ طائلة كي ينالوا أفضل تعليم.
أبناء الشهداء، والمبدعون الأحياء من الأردنيين، هم الأحق بالقصور التي طالما مُنحت لساسة ومسؤولين لم يخلفوا وراءهم غير الخراب.
السؤال صار مشروعا بعد اليوم: لمن يكون الأردن؟(الغد)