الكتابة عند الموت رثاء و معاذ لم يمت و لن يموت ، معاذ اليوم ليس بحاجة لمن يبكي عليه أو يرثيه بل يحتاج الى من يكمل السير على طريقه ، اليوم نحن من بحاجة الى البكاء على انفسنا و على الخواء و الشقاء الذي أوصلنا أنفسنا اليه ، اما معاذ فسوف تبقى نظراته و هو يواجه الموت تلاحقنا ، تشعرنا بذنبنا لأننا لم نقف في وجه هؤلاء البرابرة منذ البداية .
لم افاجأ بقتل معاذ ، كنت سأُفاجأ لو ان هؤلاء البرابرة اطلقوا سراحه ،لكن و رغم ان تاريخهم و تاريخ دينهم مليء بالقتل و الذبح و الغدر الا انني لم اتخيل في أكثر احلامي سوءا ان تصل همجيتهم الى هذا المستوى و لكن ما خفف عني من هول الصدمة هو انني وجدت معاذ المجرد الا من رداء برتقالي اقوى منهم و من نارهم و من سكاكينهم و من جرافاتهم و من قفصهم .
بالأمس صدمتني صور الجريمة ، تلعثم لساني ، و ضاعت الكلمات مني و لكنني عندما شاهدت المشهد من جديد خجلت من نفسي و أنا أرى كل هذا العنفوان و هذه الشجاعة و هي تتجسد في وجه معاذ و في جسده ليقف بكل كبرياء و يواجه سجانيه و جلاديه و داعشي دينه و هم يجرونه مثل (إبراهيم) الى نار حقدهم ليس على معاذ فحسب و انما على كل اردني و اردنية .
قلت منذ اليوم الأول : (ان عاد بطل و ان مات بطل) ، و اليوم أقول : (الابطال لا يموتون و لا يستشهدون ،انما يحفرون اسماءهم في قلوبنا الى الابد) ، سنتذكر معاذ مثلما نتذكر فراس العجلوني و موفق السلطي و مثلما ظلت في قلوبنا ذكرى (عيال عليا و إبراهيم) الذين حرقهم جد (الداعشي اردوغان) و رماهم من قلعة الكرك .
معاذ واجه عدوه في حياته نسرا محلقا في السماء و واجههم في موته أسدا شامخا و لا جبن أمام نارهم و سكاكينهم و جرافاتهم و اقنعتهم ،معاذ كان من الممكن ان يرحل في حادث دهس على طريق عمان - الكرك او في مشاجرة عشائرية في (عي) بدون ان يسمع باسمه أحدلكنه مضى مثل كل الابطال في التاريخ بكرامة و بفخر وها هو كل العالم يردد اسمه .
حين تم أسر معاذ اختلطت علي المشاعر بين الحزن و الخوف على مصيره و بين الفخر به و انتصرت مشاعر الفخر ، و حين تم حرق جسد معاذ النحيل اختلطت علي المشاعر مرة أخرى بين الحزن و القرف من فعلتهم و بين الفخر و أيضا انتصر شعور الفخر من جديد ، و اليوم فانني فخور ب ابن عمي معاذ اكثر و اكثر ، فخور بشجاعته، فخور بصلابته و هو يواجه الموت وحيدا إلا من صورة أمه و ابيه و زوجته و اخوته و هي تطوف امام عينيه حين كانت النار تقترب منه .
ايها الدواعش لكم دينكم و لكم (إبن تيميتكم) ، اما نحن فلنا اخلاقنا الانسانية و ضميرنا ، لا تهمنا ناركم و لا جنتكم و لا صلواتكم و لا صيامكم إن لم تردعكم عن التمثيل بانسان و هو على قيد الحياة .
حربنا مع داعش لا يجب ان تتم بروح الثار و الانتقام انما بروح الايمان الكامل بواجبنا في تخليص العالم من هذا الفكر البربري و لهذا سنمضي بحربنا و لن نختصرها باعدام ساجدة و الكربولي و لكن ايضا لن تمتد الى تدخل بري لا طاقة و لا رغبة لنا به و انما بتوجيه ضربات نوعية و انتقائية لقيادات داعش و على رأسها خليفتها الارعن و المزعوم و كذلك ب إعدام جذور الارهاب من مدارسنا و مساجدنا و بيوتنا و مجتمعنا
ووقف غسيل الدماغ الذي يتعرض له أطفالنا فيتخرجون الينا برتبة (داعشي) بمرتبة اللا شرف .
الحياد في المفترقات خيانة ، و طوال الامس لم اقرأ اي ادانة مباشرة و واضحة من الدواعش الاردنيين و من اصحاب نظرية (ليست حربنا) ، و من أدان منهم (على استحياء) كان يتبع ادانته ب (لكن) اللعينة لتبرير سلوك داعش و القاء المسؤولية على الأردن .
اخيرا ، و انا الذي ما انفككت انتقد الدولة مرة تلو المرة ، اقول و بضمير مرتاح ان الدولة لم تقصر ابدا في قضية معاذ و بذلت كل ما في وسعها و كان موقفها متقدما حتى على مواقف بعض ابناء عشيرة الكساسبة و الاتهامات الموجهة لها إنما هدفها فقط تبرئة داعش و تبرير عدم الذهاب في الحرب.
اعدام ساجدة و الكربولي ليس هو الرد الأردني ، هذا فقط كان للتنفيس عن غضب الأردنيين ، الرد الأردني قادم ، الرد الأردني أيها الدواعش ليس ما سمعتموه و انما ما سترونه باعينكم ، مجرمكم الزرقاوي فجر فنادقنا و لم نتركه الا بعد ان خلصنا العالم منه ، و الاردن لن يترككم حتى يخلص الإنسانية منكم أيها المجرمين .
الابطال لا يموتون و لا يستشهدون ،انما يحفرون اسماءهم في قلوبنا الى الابد .