موسكو إذ تقود السلام في دمشق
د.حسام العتوم
02-02-2015 01:10 PM
نعم لقد وضعت موسكو يدها على الجرح السوري النازف منذ اندلاع الربيع السوري نفسه عام 2011 فاختارت له ( الفيتو ) بالاشتراك مع الصين وهو ما دفع إلى الحوار في جنيف 1 و 2 وموسكو 1 ، بينما لو أحدثنا مقارنة بسيطة مع ( الفيتو ) الأمريكي الاشتراكي في مجلس الأمن بشأن القضية الفلسطينية على سبيل المثال لا الحصر سنلاحظ كيف أنه أغلق الحوار ، وفي الحدث الأوكراني تكرر نفس السناريو عندما فتح الرئيس بوتين الحوار وسطه لتغلقه كييف باراشنكا تحت موجة من النصائح الأمريكية ، فهل تغير مسار الحدث السوري ، وهل غيرت أمركيا من نهجها تجاهه ؟ لقد باتت موسكو مقتنعة بأن وقفتها مع النظام السوري البعثي برئاسة الأسد ومع المعارضة الوطنية الخاصلة بكامل فصائلها في ذات الوقت هي وقفة مع نظام الدولة السورية والوطن السوري نفسه ومع مصلحتها مع سوريا الشرق الأوسط العربي اقتصاديا وعسكريا وحتى اجتماعيا وثقافيا ، وهو الأمر الذي دفع بها أكثر لاقناعها عبر رسائل وزير خارجيتها سيرجي لافروف بأهمية التخلص من سلاحها الكيماوي غير التقليدي وهو ما رطب العلاقة الروسية مع واشنطن نوعا ما وأخمد احتمالات التدخل العسكري الإسرائيلي وسط الأزمة السورية التي سرعان ما تسارعت وتحولت من إصلاحية إلى دموية خاصة بعد دخول جحافل الطابور الخامس على خطها ممثلا ( بالنصرة ، والشورى ، والقاعدة ، وداعش ، وخرســان ) ، ومواجهتهم من قبـــــــل (حزب الله ) وفيالق القدس الإيرانية بالقتال المواجه ، ومهما قيل إعلاميا عن تباين وجهات النظر بين روسيا وأمريكا إلا أن مساحات اللقاء حتى وسط الحرب الباردة واردة وها هي موسكو تنتظر زيارة وزير خارجية أمريكا جون كيري (5) شباط الجاري لتحقيق أكثر من غرض أولهما الشأنين السوري والأوكراني و ثانيهما العلاقات الروسية الأمريكية التي تعاني من درجة حرارة باردة تحت الصفر سياسيا حيث نلاحظ انقطاع العلاقات الحميمة بين بوتين وأوباما وبالعكـس .
توجد قناعة لدى الكرملين في موسكو ولدى البيت الأبيض في واشنطن بأن في بقاء الأسد وبقائه في السلطة مع إصلاح هذا النظام بالطبع عملية جراحية سياسية بواسطة إدخال المعارضة الوطنية إلى داخله خير ألف مرة من صعود أي من فصائل الطابور الخامس الدخيل المتطرف بقيادة تنظيم القاعدة الإرهابي وتفرعاته مثل ( داعش ، والنصرة والشورى وخرسان وغيرهم ) ، لأنه في مثل هكذا صعود غير شرعي وغير قانوني تدمير لأركان المنطقة بكاملها ولمصالح الدولتين العملاقتين روسيا وأمريكا وليس لسورية فقط وفي المقابل لقد أثبت التاريخ المعاصر فشل نظرية الإجراءات والعمليات القطبية الانفرادية وحتى لو حملت صفة التحالفية على غرار ( الناتو ) في العراق و ليبيا وما آلت إليه من مصائب وكوارث و تفرعات سلبية نشاهد آثارها اليوم ، ولقد آن أوان قرع جرس إنهاء الحرب الدولية الباردة غربا وشرقا وبالعكس والقبول الأمريكي كما الروسي بعالم الأقطاب المتوازنة والمتعاونة والمنسجمة ، وهذا الأمر ينعكس إيجابا على مجلس الأمن وعلى عمل الأمم المتحدة وكافة مؤسساتها الأخرى مثل حقوق الإنسان ، والمحكمة الجنائية الدولية ، والقانون الدولي الإنساني ، والمساعدات الإنسانية ، والوقوف إلى جانب الكوارث الطبيعية بتوازن وعدالة ، ولكي يعم السلام كرتنا الأرضية والتي هي بيتنا الأول والأخير جميعا ، ولتعمل روسيا وأمريكا إلى جانب دول مجلس الأمن الرئيسة من أجل ضبط أمن العالم بسبب أن شعوبه تستحق الحياة والسلام والتنمية باستمرار.
لقاء بعض صفوف المعارضة الوطنية السورية في موسكو وعددهم 32 عنصرا بحضور عدد من رموز النظام السوري رغم غياب تجمع الائتلاف المعارض على مدى يومين من 27/ كانون الثاني وحتى 29 منه وتحت رعاية روسية لوجستية متوازنة والوقوف على مسافة واحدة ومن دون فرض لأي رأي وحد قلوب السوريين لمواجهة القوى المتطرفة الإرهابية التي غزت سوريا وحولتها من زاوية تفسيراتهم الدينية الخاطئة – المتشددة إلى مسالخ متحركة للقتل ذبحا وعلى طريقة التعامل مع الماشية وبعد توجيه تهمة الارتداد عن الإسلام لأبنائه ، وهو الإسلام الذي هو برئ منهم بطبيعة الحال وهم الذين حولوه إلى إجرام ؛ الآية من سورة آل عمران تقول (( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )) صدق الله العظيم ، كما أن لقاء موسكو هذا دعا صفوف النظام والمعارضة لتقديم تنازلات تخدم المستقبل والتمسك بوحدة واستقلال سوريا ، وعلمانية الدولة والبحث عن توافق وطني ، ودعم مبادرة مبعوث الأمم المتحدة ستافان دي ميستورا ، ودعم جهود مصر بهذا الاتجاه والابتعاد عن الأملاءات الخارجية ، ووقف الدماء فورا ، وتقديم مساعدات غذائية ، وإطلاق سراح المعتقلين ورفع العقوبات السياسية .
لقاء المعارضة السورية مع رموز من النظام السوري في موسكو وضع الحوار السوري على بداية ساسة الحوار الوطني ، وسيفتح الطريق أمام صفوف أخرى من المعارضة للمشاركة به وصولا ليوم تجلس فيه كافة أصنافها مع النظام وجها لوجه في دمشق وبعيدا عن أية تخوف مسبق ووفق ضمانات دولية ، فالأهم هو المحافظ على سورية الوطن من التمزق والتطرف ومن الخضوع مجددا لمشاريع احتلالية اسرائيلية لا سمح الله وقدّر ، ونكرر القول هنا بأن سياسة الاقصاء المتبادلة بين النظام السوري وبعض اجنحة المعارضة الوطنية المتشددة مثل الائتلاف السوري لن توصل في المقابل لأي حل مأمول أو تسوية عادلة ووسط هذا التوجه دعوة للتأمل .
ما نخشاه في المسألة السورية هو تباين قواعد الاشتباك الدولي حولها والعمل من أجل إعاقة السلام وسطها رغم أن هدير الحرب العربية والدولية ضد سلطة دمشق تراجع هديرها فلم يعد هناك سلاحا كيماويا خطيرا ، وبدأت قنوات الحوار السوري السلطوي ( إن صح التعبير ) تنفتح على السوري المعارض جزئيا ، وسلطة دمشق ومن خلفها روسيا وإيران وحزب الله يحاربون جنبا إلى جنب قوى التحالف الأمريكي ضد خلايا التطرف والإرهاب المتحركة والنائمة والتي في مقدمتها داعش والقاعدة ، وبالمناسبة توجد صفة مشتركة بين عدد من ألوان طيف الطرفين المتحاربين المنقسمين إلى اعتدال وتطرف لدرجة تقودنا معها إلى عمى الألوان ، ففي أمريكا مثلا سجن (غوانتانامو) وفي عراقها سجن (أبو غريب) ، والحوثية المتطرفة ( بوز مدفع ) لإيران وممارسات منحرفة نلحظها في اليمن وغيرها إيرانية خالصة نرصدها في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي البحرين ، وأما ما يتعلق بتطرف جحافل الطابور الخامس فهي معروفة ببشاعتها للجميع وفي إعدام صحفيين أجانب من غير وجه حق خير دليل .
مثل أردني شعبي يقول ( ما بيحرث البلد غير عجولها ) يمكن للسوريين أشقائنا الاستفادة منه بعدم السماح لأي قوة غازية أن تحرك نيران السياسة في بلدهم ، والوطن السوري الموحد بناسه وترابه وبوصلته السياسية هو الهدف ، ولا مخرج للدولة السورية بعد تعافيها ودسدرتها إلا باتجاه الوحدة العربية الحقيقية بعلم واحد / وعاصمة واحدة ، وجيش واحد ، وجواز سفر واحد ، واقتصاد واحد ، وسياسة واحدة ، تلبية لنداءات ثورتنا العربية الكبرى المجيدة وشعارها ( الوحدة ، الحرية ، الحياة الفضلى ) .