من حق ما سمي الاستعمار او الامبريالية او الاستحمار ان يطلب الاستئناف لاعادة النظر في محاكمته التاريخية باعتباره سبب الشرور كلها، بل صندوق باندورا كما صوّرته الاسطورة اليونانية، من حقه ان يطلب البراءة من عدة اتهامات، فهو الان ليس سببا مباشرا في حروب الاخوة الاعداء وليس سببا في تدمير ما تبقى من اطلال الحضارات في عالم عربي قرر الانتحار وهو آخر من يعلم .
وانا هنا لا ابرىء ذلك الغول الأشقر ذا الانياب الزُّرق مما اقترف من جرائم، فقد امتص نخاع ضحاياه، وفرّقهم ليسود وزرع في أدمغتهم بذورا لأفكاره ونظرياته التي تنوب عن جيوشه بعد الرحيل .
أعرف ما الذي فعله ولا حاجة بي الى اي تذكير، لكن ما نفعله نحن بأنفسنا هو بيت القصيد وبيت الداء وبيت الأفعى، فأية حرية تلك التي انتهت الى تشريد ثلث العرب في القرن الجديد ؟ وأية ديموقراطية تلك التي انتجت كل هذا العدد من المتسولين وتجار السلاح والرّقيق وسماسرة الطوائف ؟
امن أجل هذا سال كل هذا الدم من الماء المالح الى الماء المسمم بالنفايات النووية ؟ أمن أجل كل هذا الشحوب وتساقط الاوراق بما فيها اوراق التوت عن العورات كان الربيع ؟
ان اغرب ما نسمعه من رجال ونساء اشبه بتماثيل الثلج هو استنكار الغضب والانفعال، فهم بيضاويون يصفون من يحترق غضبا واحتجاجا بأنه سوداوي ! أتخيل هؤلاء وهم يشتبكون على سبب تافه فيما الطوفان يقترب من اعتاب بيوتهم، واتخيلهم يحملون المرايا ويتجملون تحت غارة جوية . انهم عقلانيون كالماعز الذي يبصر كل شيء حوله باستثناء السكين الذي يتربص به .
اجزم بأن منسوب الغضب الان هو البارومتر الذي يقيس الصدق ويفرز الأم عن زوجة الأب والماء عن السراب، فليس معقولا ان يتدفق الدم من الشاشات وانت في غرفة نومك ثم تغمض عينيك او يختلط عليك الامر فتظن ان ما ترى هو فيلم من افلام الرّعب !
ان من يُذبحون ويُقتلون ويُشردون من ابناء جلدتك على امتداد هذه الزنزانة القومية هم أهلك، ابناؤك وبناتك واعمامك واخوالك لكن باسماء اخرى لكنها منحوتة من الأبجدية ذاتها ...
ان ما لم نصله بعد من هذه التراجيديا هو الأعظم، وهو الاعتذار عن الحزن والغضب لمن تمَسحوا وأكلوا بأثدائهم !!
(الدستور)