هبوط السعر العالمي للبترول إلى النصف خلال عدة أشهر ليس ظاهرة اقتصادية بحتة يمكن تفسيرها بتقلبات العرض والطلب في سوق حرة، فقد اختلطت السياسة بالاقتصاد، وبرزت نظرية المؤامرة لتفسير ما حدث عن طريق السؤال البديهي من هو المستفيد ومن هو المتضرر من بترول رخيص؟.
يذهب التفسير الاقتصادي إلى أن الانخفاض يعود لنجاح استثمارات الصخر الزيتي في أميركا التي جعلت أميركا ثاني أكبر منتج للبترول في العالم بعد أن كانت أول مستورد له، تضاف إلى ذلك حالة الركود والتباطؤ الاقتصادي في العالم التي خفضت الطلب على البترول.
هذه العوامل صحيحة ولكنها غير كافية لتفسير الانهيار المفاجئ والمتسارع بالشكل الذي تم، ومن هنا برزت نظرية المؤامرة لتفسير ما حدث، فالخاسرون الأساسيون هم منتجو البترول وفي المقدمة السعودية وروسـيا وإيران وفنزويلا، وجميعها دول ليست على أحسن حال مع أميركا، باستثناء السعودية التي تستطيع تحمل الهزة بالنظر للثروة الطائلة التي تمتلكها وتستطيع السحب عليها عند اللزوم، وبذلك ام تخسر السعودية إلا الوفور التي كانت ستضاف إلى احتياطها الضخم، ولكنها ليست مضطرة للتقشف أو تغيير سلوكها الاقتصادي والسياسي.
الضغوط على روسيا وإيران وفنزويلا أهداف سياسية غير معلنة لأميركا يمكن أن تضعف موقف روسيا في أوكرانيا، وموقف إيران في مشروعها النووي، ودور فنزويلا في لعب دور المحرك للثورات في أميركا اللاتينية.
من الطريف في هذا المجال أن بعض الجهات الأميركية تعتقد أو تدّعي أن تخفيض أسعار البترول كان مؤامرة على الاستثمارات الهائلة في الصخر الزيتي في أميركا التي تحقق خسائر إذا هبط السعر عن 50 دولاراً للبرميل، وهي الآن معرضة للإفلاس إذا استمر الوضع الراهن.
منظمة الدول المصدرة للبترول (اوبك) رفضت تخفيض إنتاجها لامتصاص الفائض في السوق العالمية لأنها لا تسيطر إلا على ثلث البترول العالمي، فلماذا تتحمل وحدها التضحية المطلوبة ليستفيد المنتجون الآخرون على حسابها.
تشير التوقعات إلى أن السوق العالمية بحاجة إلى أربع سنوات على الأقل ليرتفع سعر البرميل إلى مستواه السابق، فهل يعتذر الذين طالبوا الحكومة بالشراء المسبق للبترول عندما هبط السعر عن مائة دولار.
(الرأي)