"دور مُقدّر، وخوف غير مُبرّر"
م.زيد عيسى العتوم
31-01-2015 04:23 AM
ليس أمراً جديداً ولا خبراً مستجدّاً، أن يعرف المراقبون وأن يستنتج المحللون، بأن المملكة العربية السعودية قد أرست ركيزة من الاستقرار في منطقة تشتعل، وانتهجت مسلكاً خيّراً وعاقلاً في إقليم يغلي ويتبدّل، فقد واظبت بسياستها الخارجية الهادئة على حفظ أمنها واحترام كينونتها الخليجية والعربية والدولية، بعيداً عن التدخل في شؤون غيرها، عدا مد الأيادي الخيّرة والأذرع السخية إلى أشقائها وأصدقائها، بالإضافة لدورها الرائد في الدفاع عن العرب والعروبة، ونجدة المسلمين وصون وتصدير صورة الإسلام المتحضّر المعتدل، والعمل على محاربة الإرهاب البغيض وتجفيف منابعه العكرة، والمحاولة مرات بعد مرات أن تعزّز تضامناً عربياً أصبح مهشّماً، بأن تقرّب الفرقاء وتجمع الأشقاء, وتحرج الأعداء وتلاطف الأصدقاء, انطلاقاً من دورٍ وموقع دينيٍ وسياسي واقتصادي لم تتوانى عن الاضطلاع به.
ربما تعيش المملكة السعودية هذه الأيام أوقاتاً صعبة وحالة كئيبة، بعد رحيل الملك عبدالله بن العزيز وانتقاله إلى جوار ربه راضياً مرضياً، وربما تكثر الإشاعات وتتكاثر التأويلات حول قدرة المملكة على مواصلة دورها السياسي والريادي في ظروف إقليمية بائسة، وحول خيارات مؤسسة الحكم الجديدة في التعامل مع عدة قضايا ملحّة لا تحتمل الإهمال أو التأخير, متناسين أن القيادة السعودية الجديدة متمرّسة ومحترفة في أداء دورها وواجبها في عدة ميادين ولعقود طويلة، وأن الانتقال المبرّر للسلطة قد جرى بيسر وسلاسة طبيعية, انسجاما مع الأعراف والتقاليد السعودية، والتي توّجت ببيعة جامعة وشاملة للملك الجديد، لاقت رضا الشعب ومباركته رغم حزنه على فراق مليكه الراحل، وأما بالنسبة لقضايا المنطقة العربية فهي ليست بجديدة، وربما سوء حالها نابع من ديمومتها وعدم تغيّر أشكالها وألوانها، فالهاجس الإيراني النابع من نواياها المعلنة أو المبطنة في التدخل وربما السيطرة على بعض مفاصل المنطقة، بالإضافة لقدراتها النووية المشكوك في أمرها، كل ذلك مراقب وربما معاقب من تحت مجهر دولي كبير, لن يترك إيران تحقق كل مبتغاها، وفي الملف العراقي بكل ما يحويه من عوامل المحاصصة والطائفية، وبواعث الفساد وغياب الأمن وتردي معيشة المواطن العراقي، وظهور وانتشار خطر داعش العابر للحدود، ستبقى المملكة برأيي فاعلة ومؤثرة ضمن تحالف دولي عريض، ينهي ظاهرة التطرف المعنون زوراً بالإسلام، والمكلل بأعمال القتل والسلب والنهب, ومستمرة في البقاء على مسافة واحدة من أطرافٍ لا بد وأن يدركوا أن إقصاء الآخر يعني إقصاء العراق، وفي سوريا التي ترزخ تحت حرب أهلية مستعرة لا تبقي ولا تذر، ربما من الظلم أن نسأل الدور السعودي الذي انتصر لمطالب التحرر والخلاص وصيحات المعذبين والمقهورين، أن نسأله عن حل سحريّ وسريع، يقلب الطاولة على مبدأ الاختيار بين داعش أو الأسد، مادام المجتمع الدولي برمته عاجز حتى اللحظة عن إنقاذ ما تبقى من ما كانت تسمى سوريا، أما في اليمن الذي يواجه قدراً متأرجحا ًتتشظّى فيه بقايا مؤسسات الحكم, وتتهاوى بنيته الاجتماعية وأركانه الاقتصادية, فان الجغرافيا السياسية السعودية قد جعلت المملكة هي الأقدر والأجدر على لملمة النزاع والاقتتال في الداخل اليمني, إدراكا منها بحيثيات ومجريات الواقع اليمني المجاور لها.
بعد كل ما فعلته وتفعله المملكة العربية السعودية لخدمة وإغاثة أشقائها, فان جهودها تستوجب التقدير والعرفان حتى لو لم تطلبه, وان هواجسها السياسية والأمنية تستوجب التفهم والمساعدة رغم تمكّنها واقتدارها, أما خشية البعض على المملكة ومستقبلها فهو برأيي مزيج من المحبة والقلق والتهويل, كونها قوية بدورها الإنساني والأخلاقي, وبمركزيتها الخليجية بين جيرانها, وبحاضنتها العربية والإسلامية في محيطها, وبعالم يُجمع على احترامها وتقديرها.