شدّوا أزر الدولة .. كلنا للوطن
جميل النمري
30-01-2015 02:06 AM
منذ يومين، يتحرك أصحاب القرار في بلدنا على حبل مشدود، والقرار يحسب ساعة بساعة بميزان دقيق.
ومع الأسف، فإن بعض الأصوات كانت تساهم في الضغط على الدولة بطريقة خاطئة تخدم مناورة "داعش". ولعل ما نكتبه الآن يكون أوانه قد فات مع أي تطورات دراماتيكية تحدث مساء اليوم (أمس)، على ضوء الرسالة بصوت الرهينة الياباني، والتي تضمنت تهديدا بقتل طيارنا معاذ قبل المساء إذا لم يتم إطلاق سراح ساجدة الريشاوي.
الأردن خلال الأيام الماضية، أخذ موقفه الطبيعي برفض إطلاق الريشاوي مقابل الرهينة الياباني وحده.
فرد تنظيم "داعش" بمناورة أكثر مكرا وسوءا؛ بالتهديد بقتل طيارنا الأسير مع الرهينة الياباني إذا لم تستجب الحكومة الأردنية. وعندما صمد الأردن أمام هذا التهديد الأخير، عاد "داعش" بمهلة جديدة تنذر في نهايتها بقتل الرهينة الأردني فقط، في سياق رفع مستوى الضغط على الأردن، وتحميله مسؤولية موت رهينته دون الياباني بسبب موقفه. وضغط اللحظة الأخيرة الفائق هذا وجد، مع الأسف، نجاحا؛ بالضبط كما يريد "داعش". إذ تحركت بعض الأوساط، ولو بحشد محدود، للتظاهر ومطالبة الحكومة بالرضوخ للابتزاز.
ونحن نتفهم مشاعر أهل معاذ ولهفتهم في ظل هذه الظروف الرهيبة لحفظ حياة ابنهم. ويمكن أن نلمس أن الأردنيين كلهم، وليس المسؤولون عن القرار بأقل من ذلك؛ تعنيهم حياة وسلامة معاذ فوق كل شيء. لكن ليس بهذه الذريعة تمرر مواقف تُضعف الموقف الأردني وتصب في خدمة "داعش". ونحن نعرف أن هذا البعض كان موقفه بالأصل غامضا ومواربا، ولم يقم بإدانة صريحة وبالاسم لداعش وأفعاله الوحشية التي تُغضب وجه الله، بل يتملص هؤلاء بالقول إنهم يخالفون التنظيم على بعض الممارسات!
لقد رأيت دولة رئيس الوزراء ثابتا رابط الجأش، يتحدث برؤية دقيقة ومتماسكة لا تهزها الضغوط، ومن موقع الحرص على ابننا الأسير ومصلحته في عدم التفريط بالأوراق الأردنية مجانا تحت ضغط الابتزاز والهلع من التهديد القذر. ولنتخيل لو أن الدولة قامت بالفعل بالرضوخ لمطلب "داعش"، ثم لنكتشف بعد ذلك أن أسيرنا -لا سمح الله- لم يعد على قيد الحياة!
لقد أمكن للموقف الأردني أمس أن يبطل مفعول مناورة "داعش" الخبيثة، بالثبات على مطلب أن يقدم التنظيم ما يثبت أن أسيرنا ما يزال حيا، ثم الاستعداد للتفاوض على صفقة تضمن أمنه وسلامته. وأعتقد أن المتعجلين موافقة الأردن على شرط "داعش" تحت ضغط التهديد بقتله في مهل ضيقة جدا، ما كانوا يستطيعون الاعتراض على هذا المطلب الذي يمثل الحد الأدنى الممكن؛ أي ضمان حياة وسلامة الطيار الأردني الحالية واللاحقة.
ومن المفهوم أن هذا الموقف يبقي الهامش مفتوحا على واحدة من الصيغ التي تضمن حياة معاذ، وهي ستكون حتما موضوع مفاوضات شاقة ومعقدة على خطوط التوتر العالي. ويجب أن نترك للدولة القيام بعملها، وأن تطور موقفها المعلن في ضوء المستجدات ساعة بساعة، من دون ضغط يضعف موقفها ويقوي موقف "داعش". وليس مقبولا ولا محتملا أن يلعب البعض دور الظهير الداخلي لتنظيم "داعش" الذي هو علبة مغلقة لا نرى ما في داخلها، بينما نحن مكشوفون، وتفاعلات الموقف على الساحة الداخلية معروفة، ويمكن لبعض تداعياته أن تشجع التنظيم وتتيح له استكمال مناوراته لتركيعنا وهزيمتنا. فأي دولة وأي بلد هذا الذي يهزمه وقوع أحد أبنائه في الأسر؟!
هذا وقت نقف فيه جميعا صفا صلبا مع دولتنا وقيادتنا؛ نشدّ أزرها، ونقول: جميعنا معاذ.. ومع معاذ كلنا فداء للوطن.
(الغد)