الشروع بتأسيس صندوق تأمين زراعي في الاردن أصبح ضرورة ملحة، حيث ينبغي أن لا تبقى الزراعة والمزارعون نهباً للمخاطر، وعرضة للخسارة المريعة عند كل عاصفة ثلجية، أو هبة صقيع، تطيح بجهد الزارع وأمواله هباءً، دون أن يكون هناك جهة تعاونية تضامنية قادرة على تعويض الخسارة بطريقة كريمة بعيدة عن لغة الاستجداء.
العاصفة الثلجية الأخيرة التي اجتاحت البلاد كان لها آثار مدمرة على قطاع الزراعة حيث تدنت درجة الحرارة إلى ما دون الصفر المئوي حتى في الأغوار، مما أدى إلى حدوث موجة صقيع كارثية؛ وكانت الأضرار في الأغوار الشمالية فادحة، نزولاً نحو الأغوار الوسطى والجنوبية، ولقد استمعت إلى شكاوى بعض المزارعين الذين وصلت نسبة تدمير الصقيع لديهم إلى 100% خاصة في الزراعة المكشوفة، وقدر أحدهم خسارته بما لا يقل عن (50) ألف دينار أردني في مزرعته لوحده.
اقتراح تأسيس صندوق تأمين للمزارعين، هو أحد التوصيات التي سمعتها من بعض المزارعين أنفسهم، حيث يقول أنه تم تقديم هذا الاقتراح إلى أكثر من حكومة ولكن حتى الآن لم يتم الشروع بإخراج هذه الفكرة الى حيز الوجود، أو ما يقوم مقامها، بحيث تشكل مخرجاً معقولاً، إذ يمكن أن يتم تسجيل المزارعين بهذا الصندوق، ويتم اقتطاع نسبة معقولة تتناسب مع حجم قطعة الأرض ورأس المال، مثل تأمين السيارات الإجباري، وهذا يحتاج إلى قانون أو نظام مدروس من أهل الخبرة ويمكن تقسيم المزارعين إلى شرائح، ولكل شريحة قسطها المطلوب، مع ضرورة توفير موارد أخرى للصندوق من الضرائب المفروضة على الشركات ذات الاختصاص، بالإضافة إلى التبرعات والمنح الداخلية والخارجية.
المهم في هذا الموضوع الانتقال بطريقة دعم المزارعين والقطاع الزراعي عموماً إلى ذلك الشكل الحضاري المنظم، المنضبط القائم على المعلومة الصحيحة والدراسات والاحصاءات الحقيقية، الذي يحفظ كرامة المزارع الأردني أولاً، وقادر على تحقيق تعويض مجز من خلال الشكل التضامني التعاوني، مثل كل أشكال التأمين الأخرى الناجحة والمستقرة كالتأمين الصحي وغيرها من طرق العمل المؤسسي .
ربما يذهب بعضهم إلى صعوبة تنفيذ هذه الفكرة، ويعزي ذلك إلى الناحية الثقافية السائدة التي لا تشجع ولا تدعو الى التفاؤل، وذلك بسبب عدم تعود المزارع الأردني على هذا النمط من التعاون والتضامن، مما يشكل سبباً من أسباب فشل الفكرة، وعدم استجابة المزارع الأردني لها، فهذا القول يحوي قدرا كبيراً من المبالغة والتشاؤم غير المبرر.
ربما يكون البدء محاطاً ببعض الصعوبات، وتكتنفه بعض المعيقات، لكن هذا يمكن التغلب عليه من خلال الإصرار على إيجاد هذه الثقافة وتنميتها، في ظل ارتفاع مستوى التعليم لدى الشعب الأردني عامة الذي ينبغي أن ينعكس إيجاباً على القطاع الزراعي، والأمر الآخر أن المزارع الأردني يعد مزارعاً مثقفاً ومتميزاً ربما عن أمثاله في العالم العربي، وقد كانت الزراعة في الأردن في وقت سابق تمثل أحد أهم مصادر الانتاج في المنطقة، لا يتقدم عليه إلّا المزارع «الاسرائيلي».
باختصار المسألة أسهل مما يتوقع أصحاب الشأن ويجب أن تحال إلى أهل الخبرة والاختصاص لوضع تصور مقبول يصلح أن يكون مشروعاً قابلاً للتنفيذ، وقابلاً للتطوير في المستقبل من خلال العمل والتجربة، بحيث يصبح هذا الصندوق جهة اعتبارية قادرة على رعاية هذا الشأن، بدلاً من تكرار الاسطوانة في كل عام، والدخول في جدل بيزنطي لا يقدم ولا يؤخر، وزارة الزراعة ونقابة المهندسين الزراعيين، واتحاد المزارعين، ونقابة الطب البيطري، والجهات الأخرى ذات العلاقة، مدعوون للخروج بحل ازاء هذه القضية، التي تأخرت معالجتها بطريقة غير صحيحة، نتيجة ضعف الاهتمام، والعجز عن القيام بمبادرات ناجحة وخلاقة في هذا السياق.
(الدستور)