توحيد السنة والشيعة .. والمسؤولية التاريخية للهاشميين!
د.زهير أبو فارس
28-01-2015 12:44 PM
عندما تعود بنا الذاكرة الى الوراء، لم تكن تصنيفات "السنة" و"الشيعة" ضمن المصطلحات المتداولة لدى الناس في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كما أنها لم تكن ضمن اهتمامات مؤسساتنا التربوية والتعليمية والدينية أو نخبنا السياسية والفكرية والاجتماعية.
إذن، ماذا حدث لتنقلب الأمور رأساً على عقب، ولتطفو على السطح، وبصورة مفاجئة، قضية "السنة والشيعة"، ولتصبح الموضوع الرئيسي، بل وصاحب الأولوية، في أجندة خطابنا الديني، ومن ثم توظيف ذلك سياسياً، وتكريسه اجتماعياً، بل وفي كل مكان ومناسبة. لقد تحول الخطاب الى فتنة حقيقية، وانتشر ليغزو مجتمعاتنا الاسلامية كالنار في الهشيم، له مُنَظّروه ودُعاتُه، وتُرَوِّج له مئاتُ القنوات الفضائية والإذاعية والمواقع الالكترونية (إن لم يكن أكثر!).
لقد تم تجنيد وتوظيف كل شيء لتعميق وتعميم حالة الكراهية، وصولاً الى مرحلة الإعداد للصراع والمواجهة، وكأننا مقبلون على حرب شاملة يجري التعبئة والتحشيد الأيدولوجي لها، تمهيداً للحظة الصفر.
نعم، هناك من يريد أن يقنعنا أن العدو الحقيقي والاخطر لهذه الأمة هم أولئك الشيعة الذين لا يستقيم أمرنا الا بمحاربتهم والقضاء عليهم، ويبدو أن هناك في الجانب الآخر لدى الشيعة من يتصرف ضمن هذا المفهوم الخلافي- التناحري في علاقته مع السنة. وهناك أيضاً مجموعات وتيارات دينية لا تعترف الا بطريقتها وفهمها الخاص للدين وتعاليمه، بل ويصل الأمر بها الى تكفير كل من لا يوافقها في هذا الفهم!
إننا نرى أن نبش التاريخ، واستخراج الصراعات التي رافقت محطاته المتتالية على مدار القرون الماضية من حياة الأمة العربية والاسلامية، واستحضار المشاهد المأساوية لتلك الحقب الغابرة، لا يمكن أن يأت بمحض الصدفة، بل ضمن مخطط خبيث يستهدف هذه الأمة حاضراً ومستقبلاً، ليصيبها في مقتلها، واجهاض أية آمال أو تطلعات لوحدتها ونهضتها.
وتأجيج الفتن سلاح معروف ومُجرّب في التاريخ القديم والحديث أيضأ، ويكفي أن نتذكر كيف كان اعداء وحدة الهند يرسلون عملاءهم بزي المسلمين لذبح بقرة لتشتعل بعدها الحروب والصراعات الاهلية بين الهندوس والمسلمين، كوسيلة لاجهاض أية محاولات من قبل غاندي لحلول سياسية داخل المجتمع الهندي. والوصفة إياها لا تزال- وياللأسف- صالحة للاستخدام في مسألة السنة والشيعة.
فماذا يريد منظرو ومفجرو الفتنة بين المسلمين، وما هو هدفهم النهائي؟ هل هي الحرب الطائفية والمذهبية الشاملة، تماماً كما خاض العديد منها اسلافنا قبل أربعة عشر قرناً؟ أي جنون هذا الذي ينتظرنا وُيَبْرَمج لنا ونُساق اليه بفجاجة وغباء؟! وهل تجري التحضيرات حقاً لتكرار سيناريوهات معارك تاريخية دامية خَلّفت عشرات الآلاف من القتلى، ولكن باخراج جديد، وباستخدام تقنيات البرمجة الالكترونية، والتواصل الاجتماعي، والواتس أب، والتويتر وغيرها؟!.
وهل سنلبي دعوة منظري الفتنة الكبرى بنسختها المعدلة في القرن الحادي والعشرين، ثم نعود لنرفع شعارات الجاهلية: "البقية.. البقية" بعد أن تبلغ الدماء الركب؟!
مؤلم حد القهر، عندما نرى المثقفين والنخب الفكرية والسياسية والدينية تُروّج لخطاب الفتنة، دون أن تعي تبعات وأخطار ما تمارس، بعد أن تمّ تلقينها إيّاه، والسيطرة على فكرها بالايحاء! وكأنهم لا يعلمون أن الفتنة تعني هلاك الرجال، وسفك الدماء، واغتصاب الأموال، وتدمير المقدرات، والأهم، اشتعال النيران في القلوب، والتي لن تنطفئ لعقود وقرون قادمة.
لا أحد ينكر أن التاريخ الاسلامي شهد خلافات ومواقف تحّولت الى فتن ومواجهات دامية، وحدث الشيء نفسه لدى المسيحيين (الصراع الكاثولوكي البروتوستنتي) ولقرون طويلة، لكن الكنيسة حسمت خلافاتها، وتتعايش الآن في ظل احترام الخصوصيات.
أما في حالتنا الاسلامية، فالقرآن وأركان الدين الأساسية- ثوابتنا، ولا خلاف أو جدال فيها، وغير ذلك من اجتهادات أو خلافات هي نعمة لهذه الأمة.
لكن الوفاء للنبي العربي الهاشمي، وآل بيته الأشراف الكرام، وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين، يكون بالتمسك بالقيم والمبادئ السامية التي جاء بها هذا الدين العظيم، ورسالته القائمة على المحبة والتسامح والاخلاق النبيلة.
إنها دعوة للقاء تاريخي يجمع العلماء، والفقهاء، وأهل الفكر، من كافة المكونات والتيارات المذهبية للأمة الاسلامية، للوصول الى كلمة سواء، تقطع دابر الفتنة، وتنهي الصراع والخلاف الى غير رجعة، في اطار الثوابت والأسس الراسخة لديننا الحنيف، وتؤسس لانطلاقة جديدة لهذه الأمة، لتحتّل مكانتها التي تستحقها بين الامم، وتساهم، وكما كانت دائماً، في بناء الحضارة الانسانية، انسجاماً مع رسالتها التاريخية التي جاءت رحمة للعالمين.
لقد آن الأوان أن تخرج القوى والأحزاب والهيئات والشخصيات الدينية والفكرية والاجتماعية في العالمين العربي والاسلامي عن صمتها، وترفع صوتها برفض هذه الفتنة الكبرى، وتوجيه الجهود وبوصلة المواجهة ضد الأعداء الحقيقيين، الذين يستهدفون هذه الأمة، بكيانها، ومقداساتها، ورسالتها. فلا مستقبل لنا جميعاً الاّ بوأد الفتنة، والى الأبد.
ونعتقد أن الهاشميين، وبحكم انتمائهم القرشي، يجسدون رمزية الدولة العربية التاريخية، وفي الوقت نفسه الشرعية الدينية، كأحفاد للنبي الهاشمي وآل بيته الاخيار، يتحملون مسؤولية تاريخية ودينية في توحيد الامة واحتواءالخلاف وتهذيبه، ولم الشمل، واعادة اللحمة في بيت آل البيت الذي يتسع للجميع. انها المبادرة للمصالحة التاريخية لأنقاذ الأمة وقطع دابر الفتنة، وفي الوقت نفسه، لتوحيد الجهود كافة لمحاربة العنف والتطرف، واعادة المكانة الحقيقية لهذا الدين العظيم، دين التسامح والمحبة والاخاء، الذي أسرت قِيَمُهُ قلوب وعقول الشعوب والامم، وحمايته من أي تشويه أو تحريف او اساءة. ورسالة عمان، وما تحمله من مَعانٍ وقيمٍ عظيمة، ستكون النموذج والمنصة للأنطلاق.
Dr.zuhair@windowslive.com