لفهم ما يكتب الآن في الصحف العبرية من تعليقات حول الأحداث التي تعصف بالعالم العربي هناك طريقتان، الأولى التعرف على سايكولوجيا الضّبع، الذي يقف او يختفي بعيدا عن الأسد او النمر كي ينتهي من فريسته، ثم يهرع الى ما تبقى من جلد وبقع دم تناثرت في المشهد .
والطريقة الثانية هي المهارة في توظيف الاسطورة تاريخيا ثم البدء بارضاعها رغم ان حليب الكون كله لن ينفع مع دمية من مطاط، وآخر ما قرأت من هذه التعليقات حول اليمن والتقصير الامريكي الذي اتاح للحوثيين ان يسيطروا عليه، وعلى سبيل المثال يطلق الكاتب اسم باب الدموع على باب المندب ليس لأنه ضليع في اللغة العربية ويعرف ان المندب مشتق من النّدب والبكاء، بل لأنه ينتظر بفارغ الصبر اندلاع ازمة حول قناة السويس وباب المندب بحيث يفكر العالم بالعودة الى رأس الرجاء الصالح لأن تكلفة ذلك اقل !
والاعلام العبري يبحث بالمجهر عن اية قشّة حتى لو كانت في كومة تبن ولها علاقة بايران لأن اسرائيل الآن متضررة من اية تفاهمات بين طهران وواشنطن حتى لو كانت في الحد الأدنى .
الضبع الاسرائيلي لا يهمه من يقتل من ؟ لأن الأهم من كل شيء هو ما يتبقى من الجيفة، ونظرية نتنياهو المعروفة عن استثمار الأزمات وتحويل المصائب الى فوائد ليست من اختراعه بل ورثها عن فلسفة ذهبت بالبراغماتية الى اقصى ما يمكن بلوغه بحيث يبدو ميكافيلي عادلا واخلاقيا اذا قورن بها .
ومن يسمي باب المندب بوابة الدموع لا مانع لديه في ان يسمى قناة السّويس قناة البكاء، لأن ما يتمناه هو تحول هذا الوطن العربي الى اطلال، وينقرض كل ما فيه من بشر من الحروب الطائفية . ان اسرائيل تشعر بأن هناك من ينوبون عنها في تدمير عدوها، وهم من صلبه، لهذا يصدق عليها القول بأن هناك من هو محظوظ بأعدائه، فأي حظ عظيم كهذا الذي اعادنا الى ما يسمى ايام العرب في الجاهلية، بحيث يغزو الجاهلي اخاه بكر اذا لم يجد سواه !
والاعلام الاسرائيلي محظوظ ايضا بما يطلق في اعلامنا العربي من عبارات خرقاء كالصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني، فهذه العبارة وحدها تكفي عندما تترجم الى اية لغة لإبلاغ العالم ان العرب جميعا تصالحوا وتعايشوا مع اسرائيل، لكن الفلسطينيين وحدهم من يشذّون عن القاعدة وبالتالي يستحقون العقاب !!
(الدستور)