"سيريزا" في اليونان و"داعش" في الأردن
فهد الخيطان
27-01-2015 02:42 AM
قبل نحو عامين أو أكثر، حذر وزير المالية د. أمية طوقان، من مصير مشابه لمصير اليونان إذا لم نسارع في الأردن إلى تبني برنامج لضبط عجز الموازنة، واتخاذ إجراءات تقشفية صارمة لمنع الانهيار والإفلاس.
كانت اليونان في ذلك الوقت تواجه بالفعل خطر الإفلاس، إن لم تكن قد أفلست بالفعل، وتدخل الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لإنقاذها.
ولأجل ذلك، قدمت "الترويكا" الأوروبية قروضا لليونان بلغت قيمتها 110 مليارات يورو، لتسديد ديونها التي تجاوزت نسبة 175 % من الناتج المحلي الإجمالي، وسجل عجز موازنتها أرقاما قياسية. لكن مقابل ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي على اليونان برامج تقشفية قاسية لضبط النفقات، شهدت البلاد على إثرها موجات احتجاج واسعة، بعد أن فقد عشرات الآلاف وظائفهم، وخسر الملايين نصف رواتبهم، وتراجعت مؤشرات النمو الاقتصادي.
الاقتصاد الأردني لم يكن بالسوء الذي كان عليه الاقتصاد اليوناني؛ عجز الموازنة في الأردن العام 2011 كان بحدود 6 %، بينما في اليونان فاق 30 %. ومع ذلك، اتخذت الحكومة الأردنية حزمة إجراءات تقشفية قاسية، مقابل الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي.
خطة الإنقاذ الأوروبية جنبت اليونان الانهيار الاقتصادي، لكن الشعب اليوناني بدا غير قادر على احتمال نتائج سياسات التقشف المفرطة. وكتعبير عن موقف احتجاجي على هذه السياسات، منحت الأغلبية أصواتها لائتلاف يضم عدة أحزاب يسارية راديكالية، يعرف اختصارا باسم "سيريزا"، في الانتخابات التشريعية التي شهدتها اليونان أول من أمس.
وفي مؤشر على غلبة المزاج السلبي في الشارع اليوناني، حصل حزب من اليمين المتطرف، يقبع عدد من أعضائه في السجون، على 17 مقعدا في البرلمان الجديد.
خلال أيام، سيشكل "سيريزا" حكومة جديدة مناهضة لسياسات التقشف، ومعارضة لخطة الإنقاذ الأوروبي. وتسود موجة من الذعر في أوروبا بعد إعلان النتائج؛ إذ يقدر المحللون أن تنتقل عدوى اليسار الراديكالي إلى دول تمر بنفس ظروف اليونان، كإسبانيا والبرتغال.
فوز "سيريزا"، وصعود اليمين المتطرف بالمقابل، كان الرد الموضوعي على إمعان حكومات يمين الوسط اليونانية في تطبيق سياسات تقشفية لا تراعي مصالح الأغلبية الشعبية، وتبنّي خطط مجحفة لا توازن بين أهداف إصلاح المالية العامة للدولة، وحقوق الناس في ضمان حياة كريمة. بعد تطبيق برامج التقشف في اليونان، أظهرت البيانات الحكومية ارتفاعا في نسبة البطالة، وتفشياً للفقر، وزيادة كبيرة في عدد الأسر التي خسرت مساكنها، وتنامي ظاهرة التشرد.
الأردن طبق برامج التقشف التي ساهمت في تحسين وضع الموازنة وضبط العجز. لكنها خلفت أيضا آثارا مدمرة على الفئات الشعبية؛ غلاء أسعار، وتآكل مداخيل، وبطالة وفقر، إضافة إلى تنامي معدلات الجريمة وانحسار قيم المجتمع، فيما معدل الدين العام في ارتفاع.
اليونان بلد ديمقراطي يتمتع بحياة حزبية كاملة. وعندما فقد اليونانيون ثقتهم بحكومات الوسط، لجأوا إلى اليسار الراديكالي، في خطوة احتجاجية على سياسات حكومات يرى الشعب أنها المسؤولة عما آلت إليه الأوضاع في بلادهم.
في الأردن، لا نملك هذه الميزة؛ لا حياة حزبية، ولا حكومات قائمة على هذا الأساس. وليس بالمستطاع العودة إلى صناديق الانتخاب للاقتراع على السياسات المطلوبة للمستقبل. ولذلك، لا يجد الشعب ملاذا للتعبير عن احتجاجه غير اللجوء للجماعات المتطرفة والإرهابية.
في بلد ديمقراطي مثل اليونان، يفرغ الشعب غضبه بصناديق الاقتراع، ويصوت لحزب "سيريزا". وفي الأردن، حيث لا يتوفر مثل هذا الخيار، يدخل الشعب في دوامة التطرف، ويلتحق الشباب بتنظيم "داعش".
"سيريزا" في اليونان، و"داعش" في الأردن؛ هذا هو الفرق الذي لم يلتفت إليه وزير ماليتنا يوم حذر من مصير مشابه لمصير اليونان.
(الغد)