بدا الأمر, أولا, كما لو أنه إشاعة مغرضة, أو نكتة ثقيلة الظل: مجمع للدوائر الحكومية في غرب عمان بألف وخمسمئة مليون دولار! وكتبتُ , حينها, مقالا يوضح أن إنشاء المجمع ذاك , على نظام bot لا يعني شيئا سوى أنه أسوأ من الاقتراض , ذلك أن " المستثمر" سوف يحصل , أثناء فترة العقد الطويلة, على كلفة الإنشاءات زائدا كلفة التمويل ( الفوائد) زائدا الأرباح. ولا يواجه هذا " المستثمر" , أية مغامرة على الإطلاق, فالزبون مضمون -الحكومة -وهي ملزمة باستئجار كامل الأبنية المنشأة , وتسديد الإيجارات بالأسعار التي تكفل الكلفة والفوائد والأرباح لـ" المستثمر".
حسنا. كنا نريد, وما نزال, التنبيه على المشاريع الليبرالية الآتية, وهي الالتفاف على قانون الدين العام , وعلى الرقابة النيابية والمعارضة والصحافة, عن طريق ورق سيلوفان اسمه نظام البوت , يتم لفّ القروض الجديدة الضخمة التي سوف يتم تحميلها للخزينة العامة, به.
لكن , ظهر أن مشروع مجمع الدوائر هو مشروع جدي , وأن هناك مفاوضات مع " مستثمر" محدد هو رئيس وزراء لبنان الأسبق , نجيب ميقاتي, وأن أمانة عمان تسعى للحصول على موافقة "المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي" لتمويل استملاكات الأراضي الخاصة بالمشروع. وعند هذا الحد , يصبح من الضروري أن نقول , بوضوح, أن القائمين على هذا المشروع ربما كانوا يعيشون معنا بأجسادهم , لكن ليس بعقولهم وقلوبهم.
أنه أمر لا يصدّق أن يفكر أردني مسؤول بإنشاء مجمع للدوائر يرتب على الخزينة التزامات تتجاوز الملياري دولار, في بلد ثلث مواطنيه تحت وطأة الفقر والبطالة, ويواجه اقتصاده ومجتمعه , أزمة الارتفاع المستمر في أسعار الطاقة والمواد الغذائية, ومأزق الشح في موارد المياه.
لا توجد ضرورة ملحة ولا ضرورة منظورة أو غير منظورة, لإنشاء مجمع دوائر ووزارات في عمان. فللدوائر والوزارات مقرات تتراوح بين كونها جيدة جدا وممتازة. وهي موزعة بصورة معقولة على أنحاء العاصمة. وهي توزع الحركة وضغط السير في مناطقها على نحو مستقر. ومعظمها مملوك من قبل الخزينة أو مستأجر من مواطنين عديدين.
وسوف يحرم " المجمع" , عدة أحياء في عمان من حيوية وجود الدوائر فيها , ويشكل منطقة ازدحام سير جديدة, ويهدد مصادر دخل الكثير من الأسر.
"المجمع" ليس ضروريا البتة , ويمثل خسارة صافية للبلد , ويحمل الخزينة التزامات مالية مرهقة. وهو , إلى ذلك, ليس استثمارا. فالمشروع , بعد انجازه , غير منتج , ولن يوفر وظائف جديدة, بينما الوظائف الممكنة , أثناء إنشائه, هي , بطبيعتها , للعمالة الوافدة. وسيكلف " المجمع" البلد, عدا ذلك كله, عجزا إضافيا في الميزان التجاري , وضغطا على المدخرات في البنوك. فمعظم مواد البناء والأثاثات هي مستوردات لا تقابلها صادرات, بينما سيحصل مستثمر " المجمع" على معظم التمويل من البنوك الأردنية.
يبقى , أخيرا لا آخرا, أن الالتزامات المالية التي سيرتبها " المجمع" على الخزينة , سوف تضغط , لاحقا, على ما بقي من الالتزامات الاجتماعية ونفقات الخدمات العامة التي تتحملها الخزينة, بحيث يصبح المواطن مطالبا بالمزيد من التضحيات!
أنه , إذن, " مجمع" عبء على الاقتصاد الوطني والمجتمع والمدينة والناس. أوقفوه الآن !
العرب اليوم.