في ظل غياب الوحدة العربية وعدم إصغاء العرب للنداءات ثورتهم العربية الكبرى المجيدة التي قادها شريف مكة الملك حسين 1916 عبر شعارها (الوحدة والحرية، والحياة الفضلى)، بدأنا نلحظ أكثر في عصرنا هذا ارتداداً وتزاحماً للدول الاستعمارية الكبيرة مثل امريكا وإيران ومن خلفهما وباتجاهنا في العتمة الصهيونية بالطبع لتقاسم (الكعكة) العربية والتشجيع على استنهاض معاهدة سايكس بيكو 1916 التي شاخت بعد اقتراب عمرها من المائة، هذا إلى جانب تلاقي صداقات ومصالح لدول عديدة صديقة لمنطقتنا العربية مثل روسيا والصين وغيرهم، وهذا التزاحم التاريخي بكل الاحوال يظهر لنا بأن الحرب الباردة التي عهدناها بين الغرب والشرق أو بالعكس قبل وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي 1991 تطورت بحيث أصبحت بين قوى غربية مثل أمريكا وشرقية مثل ايران تتبارزان وسط المربع العربي على مستوى العسكرة والاقتصاد والسياسة مع ابقاء دور الحراسة للعرب لدرجة أصبحنا معها مصابون بعمى الالوان ولم نعد نعرف من هو الصديق ومن هو العدو، ومن يواجه معنا الاحتلال الاسرائيلي ومن يشجعه علينا، والفيتو الامريكي في مجلس الامن ضد ضبط القضية الفلسطينية وايجاد حل جذري لها خير شاهد، وتوسع الهلال الشيعي من طهران باتجاه بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ومحاولة اغراء عاصمتنا الاردنية عمان بالنفط المجاني الايراني لثلاثين عاما قادمة خير دليل ايضا.
ما يجري في اليمن الشقيق الان تجاوز الانقلاب الحوثي بقيادة حركة (انصار الله) وعبد الملك بن بدر شقيق مؤسسها حسين، ولم يعد الأمر يتعلق بالتحالف مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذي خدم بلاده اليمن اكثر من ثلاثين عاما وأرهقته السلطة خاصة بعد اتهامه بشروعه في توريث الحكم لابنه احمد وهو المتهم من قبل مؤسسة هيومن رايتس ووتش بارتكاب انتهاكات بحق ثورة الشباب عندما كان قائدا للحرس الجمهوري قبل عام 2012 ثم جاء تعيينه سفيراً في الامارات لحمايته من أي متابعة قانونية، وهو الذي رصدته وثيقة ويكيليكس (07SANAA1954) وتوقعته خليفا لوالده، والفرصة لم تعد مواتية لعودة صالح نفسه لسدة الحكم، وفي استقالة عبد ربه منصور رئيس الجمهورية ورئيس وزراءه خالد رباح اصبحت الحوثية الزيدية المتطرفة الصاعدة للسلطة وهي المتهمة بقتل اكثر من ستين الفا من اليمنيين بعد اختلاط اوراقها مع تنظيم القاعدة الارهابي المحسوب تاريخاً على امريكا وإيران معاً وجهاً لوجه مع الشعب اليمني المليوني وتصاعدت اصواتاً في الجنوب داعية للعودة للانفصال بعد زوال النظام السوفيتي الذي شجعها على ذلك قبل عام 1990، فما هو المصير الذي ينتظر اليمين؟ ولماذا هذا التوقيت بالذات في عهد عبد ربه هادي منصور وليس في عهد صالح؟ ولماذا هي ايران تطالب بمحاورة السعودية في الشأن اليمني؟ ولماذا اصبحت دول المنطقة مثل (اسرائيل) و (ايران) تغرد خارج حدودها تماماً مثل الدول الاكبر كامريكا وروسيا والصين مع اختلاف الاهداف بالطبع؟ على هذه الاسئلة وغيرها نجيب هنا حسب الممكن والمتوفر من المعلومات.
لا اتفق مع القراءات التي تجدف باتجاه قسمة محتملة في اليمن إلى جنوب وشمال وسأبقى أراهن حتى اللحظة الاخيرة على بقاء وحدة اليمن بجهد وعلى الشعب اليمني وحبه لوطنه، ودولة اليمين عربية ديمقراطية يحكم اعمالها دستور يرتكز على التعددية الحزبية والسياسية واقتصادها حر، وهي ملتزمة بالاعلان العالمي لحقوق الانسان وبالشريعة الاسلامية مصدراً أساسياً لقوانينها، وهي عضو فعال في جامعة الدول العربية منذ عام 1945، وفي الامم المتحدة منذ عام 1947، وفي حركة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الاسلامي، وهي صاحبة تاريخ قديم يعود للالفية الثانية قبل الميلاد، وسبق للروم أن اطلقوا عليها تسمية اليمين السعيد، وهي دولة زراعية قديمة ونفطية وغازية حديثة، والرئيس علي عبدالله صالح استطاع بقوة شخصيته وحكمته ودهائه أن يحكم اليمين 33 عاما بين عامي 1978 و 2011 ووصف حكمه انذاك بأنه يقف على مجموعة من الثعابين والبراكين، وتمكن الشارع اليمني بعد سلسلة احتجاجات شعبية مواجهة للفساد من اسقاطه والقدوم بعبد ربه هادي رئيسا للبلاد وتم في عهده التوقيع على وثيقة الدولة الاتحادية والأقاليم الادارية الستة التي سيقرها دستور عام 2015 الجديد، والآن وبعد صعود ميلشيات (انصار الله) لسدة الحكم في صنعاء اصبحت المؤشرات ليس في اليمين فقط ولكن في العالم العربي تؤشر باتجاهات خطيرة جديدة بعد استغلالهم لديمقراطية ورفعة سلوك الرئيس هادي ورئيس وزراءه بحاح بعد تقديم استقالتيهما للبرلمان.
إيران تعمل من اجل تحقيق نجاحات لها مستمرة وسط العرب بواسطة التطرف الممثل بالحوثيين والقاعدة (دعاة محاربة الفساد) عبر شعارين عاطفيين الأول (الموت لإسرائيل) والثاني (الموت لأمريكا) رغم الغزل المتبادل مع واشنطن من طرفها، وفي صعود الحوثيين في اليمن تشجيع لداعش لكي تبحث لنفسها عن مكان في سلطة دمشق وبغداد، وفي غير مكان، والتجديف لاحقا باتجاه البحرين بحكم وجود ما نسبته 49% من الشيعة خاصة بعد محاولة ايران عام 1970 اجراء استفتاء شعبي داخل البحرين لاستخراج الشارع من اجل الانضمام اليها لكنها فشلت بذلك وأحبطت بعد تنبه دولة وأهل البحرين لذلك، وستبقى ايران تبارز اهل السنة خارج حدودها من اجل توسيع مطامعها ومصالحها التي لا تتوقف، وإذا ما عرفنا بأن نظرة ايران للعرب على انهم دون الحضارات، وبأن الخليج العربي من طرفنا هو فارسي حسب لغتهم ومعتقداتهم، وبأن جزر الامارات (طنب الصغرى والكبرى وابو موسى) هي ايرانية حسب قراءتهم والغريب هنا هو ان اسرائيل تطلق على الخليج العربي فارسي، وتشترك مع ايران في احتلال اراضي العرب، وتعمل ايران على مقاومتها بنفس الوقت بواسطة حزب الله اللبناني وسوريا الدولة، وعبر حماس فلسطين حسب تصورها ايضا.
ايران وليس اليمن بقيادة الحوثيين تراهن على الازمة اليمنية بوساطة سعودية لعلمها مسبقا بأهمية ثقل المملكة السعودية وسط وحول جزيرة العرب وفي داخل اليمن بواسطة الشيخ عبدالله الاحمر صاحب اتفاقية اليمن والسعودية الحدودية الناجحة عام 1995، وهو الذي ثبت الاستقرار في بلاده بعد الازمة السياسية التي عصفت بها عامي 1993/1994، لكن ظرف اليمن السياسي هذه الايام تزامن مع رحيل الملك عبدالله بن عبد العزيز ملك العربية السعودية طيب الله ثراه مما ادى إلى انشغال السعودية بمصابها الجلل وفي استقبال كبار زعماء وملوك العالم المعزين، وهنا كلي امل بأن تساعد الجامعة العربية ايضا في إيجاد حل توافقي يرضي كافة الاطراف اليمنية المتصارعة حتى يعود الاستقرار لليمن والوحدة كذلك.
وأخيراً وليس اخرا آن الاوان للعرب ان ينهضوا من سباتهم ويقرعوا جرس الانذار بوجه الاستعمار الخارجي مهما كان لونه وهدفه، ولا مكان للعرب حتى يحترموا انفسهم غير وحدتهم تماما كما ارادت لهم ذلك صيحة ثورتهم الكبرى بحيث تبقى كل دولة عربية موحدة في مكانها مع الشروع بالبحث عن عاصمة سياسية واحدة وجيش واحد، واقتصاد واحد، واعلام واحد، وسياسة خارجية واحدة، وكتاب الحركة العربية للمؤرخ الاردني الراحل الكبير سليمان الموسى ص 694 / 695 خير دليل لنا هنا حيث يقول المؤلف: ان الوثائق المتوافرة بين ايدينا تدل ان الملك حسين كان يتصور وحدة بين الاقطار العربية المتعددة تربط بعضها مع بعض بروابط تشبه روابط الوحدة بين الولايات المتحدة الامريكية بحيث يتمتع كل قطر بالاستقلال الداخلي التام بينما تتولى الحكومة المركزية السياسة الخارجية، وبحيث تتمثل الوحدة في العلم الواحد والنقد الواحد وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة والجيش الواحد، والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق.