السعودية: مات الملك عاش الملك
فايز الفايز
25-01-2015 03:06 AM
رغم فجيعة فقدان الملك عبدالله بن عبدالعزيز فإن «مراهني الخارج» الذين توقعوا تلك اللحظة قد فاجأهم وأدهشهم الإنتقال السلس والمعتاد لأمور الحكم في المملكة بتلك السلاسة العريقة، فقد تسنم الملك سلمان بن عبدالعزيز المُلك بكل طاعة وبروتوكلية، ذلك أن للملك الراحل دورا مميزا في إعادة إنتاج طبقة الحكم من خلال آلية هيئة البيعة ، فيما كشفت القرارات السريعة للملك سلمان وجهة الدولة السعودية القادمة، وهذا ما جعل جواً من الطمأنينة يسود الشارع السعودي والعربي ، فالحياة لا تتوقف لموت ملك بمستوى عبدالله بن عبدالعزيز، إذ جاء الملك السابع ولا زال الملك عبدالعزيز حياً فيهم.
الملك الراحل كان مثالا في الحكم الرشيد المستند الى حكمة التاريخ وفلسفة الوجود المتعدد في بلاده ، فقد كان إصلاحيا نهج بهدوء نحو أبواب الإنفتاح والإصلاحات بالقدر الممكن متماشيا مع الدستور الأساس للدولة وهو الشريعة الإسلامية وتقاليد المجتمع المحافظ ، وفي عهده نهضت السعودية نهضة جديدة في مختلف الصعد والرفاه الاجتماعي.
الملك سلمان أطل في كلمة موجزة وشافية أشاعت جو الإرتياح العام في تأكيده إنتهاج ذات السياسات المعتمدة لدى الدولة السعودية ، ونهج أسلافه من ملوك آل سعود ، وبذلك سيحقق شرط الحكم الراشد الذي يوائم مابين التقاليد المتبعة في التشابك الدائم مع أبناء شعبه من مختلف القبائل والمناطق والمحافظة على الإرث القويم الذي يكرس أحكام الشرع الحنيف ، وسياسات التطويروالتحديث ، والتعاطي مع العالم الخارجي بمفهوم الدولة الراتبة من خلال الدبلوماسية والعلاقات السياسية وأسواق النفط والطاقة والتجاذبات الإقليمية.
الملك سلمان مكث أميرا للرياض سنوات طويلة أكسبته خبرة واسعة في مناهج الحكم ، فكان الأقرب من المواطنين من خلال سياسة الباب المفتوح ، فكان يسمع ويشارك مختلف الفئات بشكل دائم ، وهو صاحب شخصية حازمة محافظة منحته مكانة خاصة في الأسرة الحاكمة خولته التدخل في أي قضية عالقة بين الأشخاص ، وهو الأقرب الى الملوك بدرجة مستشار عام ، وحكيم الشؤون لمختلف طبقات الأمراء وشيوخ القبائل والمواطنين ، وهذا ما يدعو الى التفاؤل بقيادة حكيمة لشعبه.
الجديد في الأمر السعودي أن الملك سلمان في قراراته الأولى أغلق باب الإشاعات والتكهنات وقطع الطريق على المتخوفين من مستقبل البلاد ،فلن يتغير شيء، و بتعيينه للأمير القوي محمد بن نايف وليا لولي العهد يكون الأمير الثاني الذي يتولى هذا المنصب بعد عمه الأمير مقرن، فيما تعيين الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع يعطي مؤشرا لقرب تحول الحكم في الأسرة السعودية الى الجيل الثاني أي الأحفاد ، وهذا من شأنه فتح شرايين الحكم ليتدفق فيها دم الشباب ، وإعادة إنتاج مؤسسة الحكم بكل نشاط وهمه، لتفتح آفاقا جديدة للمستقبل السياسي للسعودية وللمنطقة العربية التي تواجه تحديات تهدد الدول العربية برمتها.
كل هذا وأكثر يجعل المراقب متمتعا بإستشراف واقع جديد في منطقتنا العربية ، فالسعودية التي تعد اليوم الشقيق الأكبر في العالم العربي تواجه تحديات قوية على حدودها الجنوبية منها والشمالية ، حيث قبضة تنظيم الحوثيين على حكم اليمن، والتغلغل الإيراني التي وضعت قدمها الكبيرة في اليمن وسوريا والعراق وقبضتها القوية في لبنان ، ما يجعل التحدي صعبا خصوصا في تهديد الأمن القومي العربي في المنطقة، وهذا ما يدعو الى سرعة الإنتقال الى المرحلة التالية وهي العمل الحازم لمحاولة إنقاذ المنطقة قبل الطوفان.
ولا شك أن العلاقات الأردنية السعودية طالما كانت هي الأميز على مستوى القيادة ،فالسعودية لم تتوان يوما عن دعم الأردن، ومن المتوقع أن تتطور العلاقات أكثر في ظل حكم الملك سلمان الذي يرى في الأردن عمقا مميزا للسعودية ، ويرى في الملك عبدالله الثاني شقيقا بمشاعر الأبوة ، وهذا ما يؤكد عليه الملك عبدالله الثاني الذي عاصر الملك الراحل وشاركه في الأحداث والتعقيدات وخطط مواجهة التحديات التي برزت في العقد الماضي المليء بالمفارقات السياسية، ونعاه كأب وفارس فقدناه..
الأردن يرى في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قائدا حكيما محترفا يعتمد عليه كما كان الراحل الكبير ، والى جانب أولياء العهد الأمير مقرن والأمير محمد بن نايف يمكن المراهنة على تطوير الشراكة الإستراتيجية واستمرار دعم الأردن للصمود أمام التحديات والأخطار المحدقة، فالدولتان الشقيقتان متجاورتان بالأهداف السامية والتحديات والأخطار المحدقة ، والمرحلة المقبلة مرحلة عمل مشترك وجهد لمواجهة العواصف العاتية ، وسيبقى الأردن وقيادته وشعبه وفيا للأشقاء و لنصرة قضاياهم ومساندتها ووحدة الصف.
(الرأي)