الذاكرة الشعبية عند الانسان العربي عموماً، ذاكرة انتقائية، تحذف ما تريد، وتحفظ ما تريد، وهي تتسم ايضا، بعدم الاستقرار، اذ يمكن استثارتها بعاطفة، ومحوها ايضا بعاطفة.
ذات الذاكرة وآليات عملها، تستحق دراسة عميقة، من جانب خبراء، لان الذاكرة تحدد بوصلة الرأي العام، والاتجاهات، والمواقف، لاننا نرى دوماً، قدرة كبيرة لدى الاعلام ومراكز القرار، في العالم العربي، على محو الذاكرة واعادة تعبئتها، ولا نريد ان نستعمل مصطلحا يستخدمه مختصو الكومبيوتر حول «فرمتة الذاكرة» فهذا ما نراه حقا.
في كل القضايا الكبيرة، تخون الذاكرة، القضايا، تستثار الذاكرة ازاء فلسطين، اذا تعرض الاقصى لخطر في ذلك الاسبوع، فقط، ثم سرعان، مايتم احلال قضية اخرى، مثل اغتيال رئيس عربي، او تفجير كبير على يد داعش.
ذاكرة مثقوبة ويمكن التحكم بها ببساطة، فهي ذاكرة لا تحتفظ بملفاتها بشكل طبيعي، ويمكن التلاعب بها، عبر احلال قضية مكان قضية، او تفريغها من «المحتوى الضار» واعادة التعبئة بما قد يكون انسب وفقا لرأي كثيرين، ولا يمكن لأمة ان تنتصر اذا كانت ذاكرتها مثقوبة، او بالمقابل، ذاكرة انتقائية حافلة فقط بالاحقاد والصور السوداء للخصوم.
الاردن، جزء من العالم العربي، وما ينطبق على العرب، ينطبق على الناس هنا، ولو تأملنا اجندة الذاكرة الشعبية خلال اخر ثلاث شهور، لاكتشفنا انها مثقوبة ايضا، انتقائية، كلما جاءت ازمة او قصة، طردت سابقتها، وحلت مكانها، وهكذا يصير الرأي العام، طيعا من السهل التحكم به، لان اغلبنا، ينجذب بسرعة نحو بريق آخر الازمات فقط.
يمكن هنا الاعتراف، ان السر هو في امرين، اولهما ان الجمهور، غير صادق، ولو كان صادقا، لما سمح باحلال قضية مكان قضية، ولما تعامل مع قضاياه على طريقة الملفات، الحاضر منها، والمؤجل، وذاك المتلف، والامر الثاني ان وسائل الاعلام والاتصال الجمهوري باتت تحدد بشكل عميق اجندة ذلك الاسبوع، وهل تكون عاصفة هدى، ام موجة جراد مقبلة، ام حربا متوقعة، والتجاوبات بين «الاتصال الاجتماعي» والجمهور مرتفعة جداً، وبينهما خبراء في المنتصف يطوعون الاولى، لصالح ادارة الجمهور.
كيف يمكن لاحد في العالم، او العالم العربي، ان يحسب حسابا، لامة ذاكرتها مثقوبة ...هذا هو السؤال الجوهري حقاً؟!.
(الدستور)