كل يوم، "تُطربنا" الحكومة بالحديث عن عجزها عن توفير وظائف في القطاع العام، باستثناء قطاعي الصحة والتعليم. وهي محقة في ذلك، بعد أن نما حجم القطاع العام إلى مستويات خطيرة بالنظر إلى مخصصاته نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، كما ارتفاع حصة الإنفاق الجاري من موازنة الدولة؛ إذ تقدر فاتورة الرواتب بحوالي 300 مليون دينار شهريا.
السؤال المهم هو: كيف تهيئ الحكومة البيئة لإقناع الأردنيين بالتوجه إلى العمل في القطاع الخاص؟ فظروف العمل في هذا القطاع سيئة بشكل عام، مترافقاً ذلك مع غياب لكثير من حقوق العمال، عدا عن أن الحد الأدنى للأجور، مثلاً، والمحدد رسمياً بمبلغ 190 دينارا شهريا، هو أقل بكثير من أدنى راتب في القطاع العام.
إذ كيف ستغري الحكومة الشباب بالإقبال على العمل في المشاريع الخاصة الصغيرة تحديدا، وهي تعلم أن غالبية العاملين فيها محرومون من أدنى حقوقهم العمالية؟ حيث تجد الغالبية العظمى من دون تأمين صحي وضمان اجتماعي؛ فما تزال عقلية كثير من أصحاب هذه المشاريع غير مؤمنة بأن من واجبهم تأمين هذه الحقوق للعاملين لديهم، وبما يجعل من مشاريعهم طاردة للأردنيين بدرجة كبيرة، لا يستثنى من ذلك إلا المضطر إلى قبول التنازل عن حقوقه للحصول على مبلغ ضئيل نهاية كل شهر، يكفيه شرور الحياة.
وكيف تنجح الحكومة، على الطرف المقابل، في تغيير العقلية التي تحبّذ العمل في القطاع العام، فتساهم بشكل كبير في زيادة نسبة البطالة، نتيجة إحجام أصحابها من الشباب عن كثير من الوظائف؟ ناهيك عن عدم التزام كثير من أصحاب العمل بمنح حتى الحد الأدنى للأجور، الأمر الذي أصبح يحتاج إلى مراجعة حقيقية من قبل الجهات المعنية.
التشوهات السابقة كانت نتيجتها واضحة، وهي الفشل في توجيه قوى العمل الأردنية المعطلة إلى القطاع الخاص. وقد سعت الحكومات المتعاقبة إلى تبرير فشلها بثقافة العيب التي تسيطر على الأردنيين، باعتبار أنها السبب الذي يحول دون شغل وظائف عديدة من قبل المواطنين.
وليست المشكلة في الحكومات فحسب، بل هي ذات ارتباط وثيق أيضا بضعف النقابات العمالية، التي عليها دور كبير في معالجة الاختلالات التي تعاني منها سوق العمل، بحيث تمارس هذه النقابات ضغوطات فعلية تحقق المكتسبات لقطاع العمال، باعتبارها من يمثلهم في مختلف الفعاليات.
وتبدو الدعوة إلى مراجعة الحد الأدنى للأجور ضرورة؛ لزيادة الإنتاجية وخلق الشعور بجدوى العمل لدى أصحاب المشاريع الذين يتخلى جزء كبير منهم عن واجبه الأخلاقي تجاه البلد، من أجل تحقيق مزيد من الأرباح.
حتى نغيّر الاتجاه، فيقبل الأردني بالعمل لدى القطاع الخاص برضا، على الحكومة معالجة التشوهات السابقة، بدءاً بقياس حجمها، وتطبيق التشريعات التي تدعم ذلك التوجه، أو تعديلها بما يخدم الفكرة.
وثمة تشوهات أخرى تعاني منها سوق العمل، يلزم التوقف عندها والحرص على معالجتها، لتكون أرقام الحكومة التي تؤكد انخفاض البطالة مقنعة؛ إذ كيف يستوي أن تتراجع البطالة فيما تشوهات السوق على حالها، وظروف العمل من سيئ إلى أسوأ؟!
المشكلة تتمثل في تراخي الحكومات، وعجزها عن تطبيق القوانين وضبط سوق العمل. كما تبرز أيضا في دور أصحاب المشاريع الذين يتهربون من دفع الضرائب، ويتنصلون من الوفاء بحقوق العمال. وباختصار، فالأمر هو: قانون يطبق.. وقليل من الضمير.
(الغد)