هذا ما حدث حين « انفجر » التاريخ .. !!
حسين الرواشدة
22-01-2015 03:25 AM
ما يحدث في عالمنا هو انفجار تاريخي بامتياز، وببساطة اكثر فإن كل الانحباسات التي تحولت الى “دمامل” كبيرة وتراكمت عبر تجربتنا التاريخية ، سواء أكان وراءها خيبات سياسية او جراحات دينية او عسر ثقافي او تخلف حضاري، وصلت الى درجة “الانفجار” وألقت ما بداخلها من دماء وسموم وتقيحات ، لدرجة أن ما نشاهده الآن من نزيف تقشعر له الأبدان ليس الا نتيجة طبيعية لمرحلة طويلة من الاحتمال والانتظار الممتزجين باليأس والإحساس العميق بالظلم ، بما يترتب عليه من محاولات للخلاص بأي ثمن ، حتى لو كان هذا الثمن هو الانتحار.
بعيدا عن منطق التشاؤم او التفاؤل، فإن منطقتنا تعاني في هذه المرحلة من “مخاضات “ صعبة ، اختلطت فيها أوجاع “الذات” مع “مكر” الآخر وضغوطاته وأطماعه،وهذه الولادات التي نشهدها هي مجرد “مسوخ” خرجت من أرحام مريضة وموبوءة، لكنها في غياب “الحكماء” شبّت وتمكنت من الإمساك بزمام المبادرة وأحكمت يدها على البلاد والعباد ، فيما وجد الآخر “ضالته” فيها ، فتبناها ورعاها باعتبارها ابنا غير شرعي، ووظفها لتكون جسرا له لكي يصل الى اهدافه .
حين ندقق أكثر في صورة هذا الانفجار سنكتشف انه بدأ من الميادين والشوارع على شكل احتجاجات سلمية عنوانها “ الحلم بالتغيير “ وشعاراتها الحرية والعدالة والكرامة ، ثم تحول الى مواجهات وحروب عسكرية ، بدأت بين الانظمة والشعوب وتدحرجت نحو بروز نجم التنظيمات المسلحة وانتهت بسقوط بعض العواصم وانسحاب الجيوش وتقهقرها، وكان واضحا أن أدوات الصراع بين الأطراف المختلفة توزعت بين الطائفة والمذهب والوطن، وان قوى اقليمية تدخلت لتوسيع مناطق نفوذها ومكاسبها ، أو ربما للدفاع عن مصالحها ، فيما لم تتأخر الدول الكبرى في الدخول على الخط، سواء بشكل مباشر او اعتمادا على ادواتها في المنطقة، وبالتالي وجدنا انفسنا امام معادلات معقدة ومتداخلة، اختلطت فيها الطموحات بالمطامع ، والثورات بالانقلابات، والمصالح بالمشاعر، كما شهدت فيها “التحالفات” المرسومة على أساس الايدولوجيا او المصالح السياسية تحولات “رملية” فأصبحت غير مستقرة ، لدرجة ان أعداء الأمس اصبحوا اصدقاء اليوم ، والعكس صحيح ايضا.
مثل اي انفجار يحدث في الطبيعة، وجد عالمنا العربي نفسه امام “نازلة” لم يسبق ان مرّ بها في تاريخه المعاصر، ووسط الاحساس بالمفاجأة وما يرافقها من صدمة وارتباك بدأنا نسأل : ماذا حدث، ولماذا حدث ، ومن يقف وراءه، وكيف نخرج منه ..؟ لكننا للأسف لم نوفق في الوصول الى اجابات واضحة، والأسباب عديدة منها ما يتعلق بغياب الخبرة والحكماء والنخب الحقيقية، ومنها ما يرتبط بهشاشة الدولة وما اصاب بنى المجتمعات من تفكك نتيجة تراكم الاستبداد والفساد ، ومنها ما يتصل بالآخر الذي استدرك ما حدث فتدخل ليحافظ على مصالحه، لكن الحصيلة التي انتهينا اليها كانت تشير بأصابع الاتهام الى (3) مجالات شكلت عنوانا لهذه الانفجار: الاول مجال” السياسة” التي فشلت في بناء الدولة والمجتمع على اسس المواطنة والعدالة والديمقراطية ،وفشلت في بناء المجال الحيوي مع العالم والعصر على اسس الفهم والندية والاحترام، والمجال الثاني هو” الدِّين” الذي تحول على يد بعض الدعاة والفقهاء الى “خادم” في ميدان السياسة وتابعا لها ، او الى “سكين” بيد المهمشين والمظلومين و”المجانين” ساعدتهم في القبض عليه احكام فقهية ودعوية لم تعد صالحة للاستخدام ، اما المجال الثالث فهو “التاريخ” الذي انفجر في وجوهنا فجأة بكل ما في “خزاناته” من وقود للصراعات بين المذاهب والطوائف ، ومن فتن المظلومية والحاكمية ، وقداسة الاشخاص والرموز.
إذن، كل الذين يتقافزون امامنا على المسرح في هذه المرحلة (أبطالا كانوا أو مجرد أشباح) خرجوا من احد هذه المجالات الثلاثة (دعك من الآخر الذي يباشر مهمة المايسترو) ، او خرجوا ربما من اشتباكاتها وصراعاتها التاريخية، ذلك أن من سوء حظنا في هذا العالم اننا تورطنا في صراعات السياسة مع الدِّين مع التاريخ مع العصر، لكننا لم ننجح بحسم هذه الصراعات ، او ضبط عجلة حركتها، ونحن الآن ندفع ثمن هذه الخيبة، وسندفع ثمنها لعقود طويلة قادمة اذا لم نتحرك على الفور لترسيم الحدود بين المجالات السالفة ومعالجة انفجاراتها بالحكمة وبالاعتماد على الذات.
حين تسألني: ماذا فعل الحوثيون في اليمن ، أو داعش والنصرة والعصائب في سوريا والعراق، او حفتر وانصار الشريعة في ليبيا، او هل ستنتقل العدوى الى بلدان اخرى تحاول “الانكفاء” او تمد يدها للتدخل هنا وهناك، ساجيبك على الفور : ان هذا “الانفجار” التاريخي لن يستثني أحدا، وكل ما نراه ولا نستطيع أن نفهمه في أي سياق عقلاني أو سياسي هو جزء من هذا الاستحقاق التاريخي، أما الآخرون الذين يعتقدون انهم اصبحوا “لاعبين” في منطقتنا مثل ايران وتركيا وحتى اسرائيل فلن يسلموا من ارتدادات الزلزال،لأن المنطقة كلها في حالة سيولة قابلة للتجمد او التبخر او الانصهار ، وبالتالي فإن العفاريت التي خرجت مهما كان مصدرها وهوية من استحضرها ستتمرد على الجميع، وما لم يتوافق “العقلاء” في المنطقة، لاسيما العواصم الكبرى فيها على “صرف” هذه العفاريت بأية طريقة فإن ايامنا القادمة ستكون اسوأ مما نتصور...
(الدستور)