إسماعيل خضر .. سلامات يا فن!!
د. هاني البدري
22-01-2015 03:19 AM
بالنسبة للوسط الفني والثقافي العربي لم يكن العام الفائت وذيوله سوى كابوس طويل امتد على مدى أشهر طويلة فقدت خلالها الساحة الفنية المصرية والعربية أسماء كبيرة وقامات قدمت للجمهور العربي إبداعاً أثّر وغيّر ولوّن الحياة بالفكرة والتفاؤل بالثقافة والعِبرة.
السنة كلها كانت "عام رحيل الكبار" من أحمد فؤاد نجم قبل بدايتها بقليل وحتى رضوى عاشور وسميح القاسم ومعالي زايد وزيزي البدراوي وحسين الإمام وسعيد صالح ومريم فخر الدين وخالد صالح وعشرات من الفنانين والنجوم نهايةً برحيل فاتن حمامة سيدة الشاشة مع مطلع العام الجديد.
وبقدر ما كان لرحيل هذه الأسماء الكبيرة عن جماهيرها من وقع وأثر، إلا أن حجم التقدير الذي أظهرته أوساط ثقافية وفنية وسياسية في مصر ولبنان والمغرب والسودان وفلسطين لرحيل كبارها كان على مستوى المناسبة وبحجم ما قدمه أصحابها.
في مصر الرئاسة المصرية تنعى فاتن حمامة التي أسهم فيلمها "أريد حلاً" العام 1975 بتغيير قانون الأحوال المدنية في مصر بشكل أعاد للمرأة حقوقاً كانت غائبة في القوانين السابقة، وهو ما مثل سابقة في تاريخ الأثر الذي تحدثه السينما في الحياة العامة.
في لبنان خرج رئيس الوزراء اللبناني أمام الجمهور وهو ينعى للبنان والعالم العربي صباح وسعيد عقل، ولم تقل صفاوة الجماهير المصرية واحتشادها في وداع سعيد صالح والفنان الشاب الذي مثل رحيله مفاجأة صاعقة للملايين خالد صالح ومريم فخر الدين وفاتن ووجدي الحكيم ورضوى عاشور ما عكس تقديراً للمثقفين أيضاً.
في فلسطين حين ودع عشرات الآلاف شاعر المقاومة سميح القاسم وفي غير مكان من العالم العربي كان رحيل الكبار المبدعين الذين حفروا أسماءهم في وجدان الجماهير بالتعب والمعاناة والإبداع، فرصة لتكريمها على كل المستويات.
في الأردن غاب أحد أهم الأصوات في العالم العربي عنا بهدوء.
رحل إسماعيل خضر، الذي قال عنه محمد عبدالوهاب إنه يمتلك صوتاً يؤهله للتربع على قمة الغناء في مصر والعالم العربي قبل أن يعود ويموت.
بغياب الثقافة الرسمية والجمهور الذي أحب إسماعيل خضر، وبعيداً عن الأضواء وبدون أي إمكانات مادية تمثل متطلباً لإنهاء إجراءات وداعه، ذهب إسماعيل خضر الذي حفر للعقبة مكاناً في نفوسنا وهو يردد على مدى عقود "أنا من العقبة يا عيوني"، بدون تكريم ولا بيانات رسمية ولا حتى (سطرين) من بيان لوزيرة الثقافة أو (مدير الحركة) لديها.. مثلاً.
غادرنا إسماعيل خضر صاحب "يا طير الطاير" و"بلدي عمان حيوها"، وهو فقير ومريض وحزين على ما آل إليه وضع الفنان الأردني.
قبل سنوات كنت قد التقيت عدداً من الممثلين الأردنيين على متن طائرة متجهة إلى الكويت، وكانوا مدعوين لمهرجان المسرح فيها، وقتها كنت أَلِفتُ بسبب أمراض الذاكرة الجمعية التي أُصِبنا بها.. عدم الاهتمام بهؤلاء الفنانين أو على الأقل التعامل مع هذه الأسماء بمستوى لا يتجاوز (العادي).
في مطار الكويت كانت المفاجأة حين تحوط عشرات الخليجيين حول فنانينا الأردنيين مشيدين بالتقدير والإعجاب وبالتصوير وسؤالهم عن "راس غليص" و"نمر العدوان" و"وضحى وبن عجلان" ومسلسلات بدوية أردنية أخرى، نحن أنفسنا لا نذكرها ولا نتذكرها لجيل كامل من الفنانين الأردنيين الذين غابوا أو المنتظرين على نار غربة الوطن والعزلة والفقر والنسيان.
لم نسمع عن تكريم أو "سطر" في مهرجان أو بيان أو حتى جائزة باسم رشيدة الدجاني أو حسن إبراهيم أو أسامة مشيني أو علي عبدالعزيز أو عثمان الشمايلة.
لم نسمع حتى اسم ربيع شهاب وهشام يانس على لسان مسؤول أو مثقف منذ سنوات.
لم نعد نتذكر في مهرجانات الثقافة والفنون من أضاؤوا مهرجاناتنا بإبداعاتهم وبحبهم للأردن ولجمهوره، وحتى يأتيك اتصال من فنان أردني معروف، يستجدي لتغطية نفقات علاج ابنه أو بدل إيجار منزله المهدد بالطرد منه، تعرف إلى أين وصل فننا وثقافتنا وإبداعنا، في ظل مختبرات التجارب الثقافية الرسمية تحت اسم وزارة الثقافة.
(الغد)