لا شك بأن الاتساق المؤسسي والتكامل يؤدي الى تطوير بنى تشريعية ناضجة وذات جودة عالية، من شأنها أن تحقق الاحتياج الوطني على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لا يتأتى ذلك الا من خلال إستقرار في العمل الاجرائي الناظم لعملية بناء التشريعات الوطنية في حواظنها المؤسسية.
اذ يعد التشريع الجيد أداة لدعم الإدارة الرشيدة وتعزيزها وذلك من خلال ترسيخ القواعد القانونية كأداة لبلوغ التنمية المستدامة والمحافظة على مبدأ المشروعية ومبدأ سيادة القانون، والأهم من ذلك تحقيق فاعلية التشريع وهو التحدي المحدث تجاه التشريعات في العالم أجمع بإعتبار القواعد القانونية عامة ومجردة وتنطبق على الجميع دون تمييز.
ولا تكتسب القواعد القانونية هذه الصفات إلا إذا جاءت نتاجاً لمنهج واضح في التعبير عنها وصياغتها بإسلوب يجعل أمر تحقيق الهدف من تشريعها مستساغاً وسهل التحقيق، ويقع في إطار المصلحة العامة الوطنية العليا.
وعليه، فإن إنضاج وتطوير التشريعات في الاوقات الزمنية التي تمكن المؤسسات الدستورية من مناقشتها وفتح نقاش وطني على مضامينها هو أحد خطوات الخارطة التشريعية المطلوبة، ولا تتحلل السلطة التنفيذية من المسؤولية الوطنية في حال إرسال مشاريع القوانين للسلطة التشريعية ولم تمكن الاخيرة من إستكمال البناء العام لتلك القوانين، بل وتجد نفسها المؤسسات مضطرة للإستعجال في إصدار تلك القوانين تحت ضغط ووطأة عدم تفويت فرصة على الدولة من جمع الضرائب، أو ضرورة سرايان القوانين في وقت محدد أو الالتظام باتفاقيات من الصناديق الاقراضية أو المانحة.
هذا بالاضافة الى أن الصياغة التشريعية المعيبة تساهم في عرقلة الجهود الوطنية نحو تطبيق الإدارة الرشيدة وتعزيز قيم الشفافية والنزاهة والتنمية، ويؤدي الى تعميق وتجذير العديد من الاشكاليات التشريعية فضلاً عن الاشكاليات الجمة في التطبيق والاستحالة في تطبيق البعض الاخر والنتيجة الطبيعة لكل ذلك عدم إستقرار تشريعي.
في التجارب الدولية المقارنة، منها امريكا، بريطانيا، فرنسا، استراليا، تستند المؤسسات التشريعية في بناء مشاريع القوانين الى قواعد مرجعية مبنية على مراحل مركبة ومتراكمة لا يمكن الانتقال من مرحلة دون سلوك سابقتها، وهذا يتطلب مؤسسات ذات كفاءة عالية مزودة بكوادر فنية وادارية قادرة على أن تشكل بكليتها قناة مؤسسية لإشراك المواطنين والفاعلين بتلك التشريعات، بل وذهبت بعض التجارب النظيرة الى تقييد إحالة مشاريع القوانين الى السلطة التشريعية الا بعد طرحها للنقاش لمدد مختلفة تصل الى سنة في بعضها.
على ضوء ما تشهده الدولة الاردنية من حركة إصلاحية في كافة المجالات نكون بأمس الحاجة لمأسسة إجراءات وخطوات بناء التشريعات الوطنية والانتقال الى مراحل غير تقليدية واشراك المواطنين والفاعلين بتطوير تلك التشريعات، هذه الخطوات والمراحل ايضاً منضبطة وفق أطر اجرائية وموضوعية تقود بالنتيجة الى تحديد الاحتياج المجتمعي لتلك التشريعات وتبيان الفجوات والثغرات التي يسعى التشريع الى تطبيقها، ومن ثم تمثل تلك الادبيات محل تقدير الاولوية والاحتياج التشريعي من قبل السلطة التشريعية.
ما حصل في قانون ضريبة الدخل وغيره من القوانين مثل ، وما هو منتظر من قوانين تشكل أولوية وطنية مثل قانون البلديات وقانون اللامركزية وقانون الانتخاب لم يتم حتى الان طرحها للنقاش حيث أن وقت الدورة غير العادية للسطة التشريعية يشرف على الانتهاء، وبالتالي يضع السلطة التشريعية في مواجهة الرأئ العام، يمكن وصفه على حد أحد السياسيين " ابتزاز تشريعي"
لا بد من التذكير بأن تطوير التشريعات الوطنية هو جهد وطني جمعي يسجل النجاح فيه للدولة برمتها وليس لجهة بمعزل عن الاخرى فحالة الاضطرار التشريعي تمس البنية التشريعية الوطنية برمتها وتلقي عبئ مضاف على كافة سلطات الدولة، وتؤدي الى تأزم الرأي العام تجاه عمل تلك المؤسسات وبالتالي يقود الى عدم الرضاء عنها، مما يشكل النواه الاولى لعدم الرضا والقبول السياسي العام عن الاداء العام برمته.