هل يمكن لحزب الله، المنخرط بكل طاقته في الصراع السوري، أن يفتح جبهة مع إسرائيل؟ مرد السؤال العملية الإسرائيلية التي استهدفت ستة من عناصر الحزب في الجولان السوري "القنيطرة"، كان من بينهم جهاد؛ نجل القيادي الراحل عماد مغنية الذي اغتالته إسرائيل، على ما قيل حينها، في قلب دمشق.
رد فعل الحزب الأولي اتسم بالحذر. لكن الصدمة الموجعة مما حصل بدت ظاهرة على أنصاره، ووسائل إعلامه. الرد آت لا محالة تقول هذه الأوساط؛ أما متى وكيف، فهذا متروك لقيادة الحزب. وسائل الإعلام الإسرائيلية توقعت نفس الشيء، وتحدثت عن حالة تأهب على الجبهة الشمالية، تحسبا من هجوم صاروخي محتمل من حزب الله.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة بالنسبة لحزب الله. الحسابات أكثر تعقيدا بالنظر إلى الضغوط الكثيفة التي يواجهها الحزب منذ دخوله المباشر والصريح إلى جانب النظام السوري في حربه مع الجماعات المسلحة.
ينبغي الانتباه هنا إلى أن إسرائيل استهدفت عناصر الحزب على الأراضي السورية، وليس في لبنان كما كان يحصل من قبل. وبهذا المعنى، لا يملك الحزب المبرر القوي والشرعي للرد من الجنوب اللبناني، وبالتالي جر لبنان إلى مواجهة مع إسرائيل بكل ما يترتب عليها من أكلاف ليس بمقدور اللبنانيين تحملها في هذه المرحلة.
لا شك في أن حزب الله يدرك هذه الحقيقة، وسيتجنب الانجرار إليها؛ تفاديا لمضاعفاتها الداخلية، في وقت يشهد فيه لبنان انقساما حادا حول استحقاقات سياسية ليس أقلها رئاسة الجمهورية.
والحزب خرج للتو من أجواء فضيحة الاختراق الإسرائيلي لجهاز عملياته الخارجية، التي هزت الثقة بقدرته الاستخبارية الفائقة التي طالما تمتع بها، وأضفت على مكانته وجهوزيته في مواجهة العدو هيبة لم تنل مثلها أجهزة استخبارية تتبع دولا كبرى.
كشف تفاصيل تلك القضية وضع حزب الله في موقف محرج على الساحة الدولية، بعدما تأكدت بالدليل صحة الاتهامات للحزب بتنفيذ عمليات توصف غربيا بالإرهابية في دول أجنبية.
وعليه، ليس من السهل على قيادة الحزب المجازفة باستهداف مصالح إسرائيلية في الخارج، قبل التأكد من قدرته على تنفيذها بنجاح، ومن دون ترك أي دليل يشير إلى تعديه على أمن وسلامة دولة أجنبية.
لا يبقى أمام الحزب سوى الساحة السورية المفتوحة لتكون منصة لرد مبرمج عبر جبهة الجولان. كيف ومتى؟ المسألة شائكة أيضا؛ فالنظام السوري له حساباته الخاصة. لقد شنت إسرائيل سلسلة من الهجمات على سورية في السنتين الأخيرتين، كانت الجماعات المسلحة هي المستفيد الأكبر منها. وليس من مصلحة النظام أن يمنح تلك الجماعات، خاصة في المناطق المحاذية لحدود الجولان، فرصة لتعزيز مواقعها، ونسج مزيد من الصلات مع الجانب الإسرائيلي.
إذا ما فكر حزب الله في ضرب إسرائيل عبر الأراضي السورية، فإن الأخيرة سترد بضربات موجهة للجيش السوري. حزب الله يعلم ذلك، ويدرك تبعاته.
حزب الله تلقى الرسالة الإسرائيلية في الجولان، وسيحتاج للتفكير مليا قبل كتابة الرد. لم تعد الخيارات متاحة كما كانت في السابق؛ المعطيات تغيرت منذ ذلك اليوم الذي دخل فيه الحزب طرفا في المعادلة السورية الداخلية. اتسعت مساحة الدور، ومعها تقلصت القدرة على الحركة.
(الغد)