بين سيوف داعش وازدراء الاديان
صبري الربيحات
19-01-2015 01:48 PM
في لا وعينا الثقافي احساس باننا مختلفون.. ويغذي هذا الاحساس تراث ومقولات وتجربة تلخصها احدى اكثر الجمل شيوعا واستخداما لفض الجدل عند تناول الموضوع "الشرق شرق والغرب غرب ومن الصعب ان يلتقيا"..
في عصر العولمة والحضارة التي تشارك كل امم الدنيا في بنائها وتغذيتها في ميادين الفكر والبحث والاختراعات والمال والامن والتكنولوجيا... نجد ان بعض ابنائنا يبحثون عن التقدم فيما مضى.. فيهاجرون في التاريخ لينزعوا اسوأ الفصول ويضعوها في نماذج دموية جديدة تقوم على القتل والجلد والتنكيل والتدمير والمفاسد الاخلاقية.. ويقيمون كيانا سياسيا تحت مسمى الدولة الاسلامية ليحتل مساحة شاسعة من قلب الشرق ويضفي على نفسه عباءة الاسلام..
في نظام الخلافة الجديد تهدم المساجد والاضرحة والمقامات والمعابد المسيحية.. ويجلد الخارجون او يعدموا وتسبى النساء ويطالب المواطنون بالجزية ويعمل السيف في كل من لا يتفق مع اهواء القائمين على النظام الجديد تحت غطاء احياء اصول الدين ونشره وتطبيق تعاليمه وحدوده فتخلق حالة من الرعب تسيطر على كل من هو في محيطه.. او قد يواجه تمدده....
على الجانب الآخر وعلى ارض اهم ثورة دعت للحرية والعدل والمساواة وفي موطن ولادة الحريات الحديثة ومقصد الباحثين عن النجاة والعدالة والاخاء الانساني.. وتحت عنوان حرية التعبير تعمل مجلة يديرها مجموعة من الاحرار المتطرفين في حريتهم .. ممن احترفوا النيل باقلامهم من كل ما هو مقدس ليلفتوا النظر الى تفردهم وربما لانقاذ مجلتهم التي شارفت على الافلاس.
هذه المرة اقدمت المجلة المحترفة للسخرية من الاديان على نشر رسومات كرتونية لنبي الاسلام "صلعم" ليشتعل العالم غضبا وجدلا ولوما.. ويدخل على الصورة لاعبون يزجون في اتون نارها قضاياهم وطموحاتهم واشكالاتهم ومصالحهم... فيسعى البعض الى تأجيج الازمة وايصالها الى حافة الصدام.. في حين يسعى البعض الى تفهمها ودراستها لاستيعابها ووضعها في السياق الزماني المكاني الثقافي لولادتها لكي لا يتم اختطافها وتوظيفها لتحقيق نبوءة الصدام الحضاري الذي بشر به المؤرخون المتصهينون.
فما الذي حدث فعلا ؟ولماذا؟ وكيف؟ اسئلة تلح علينا وينبغي النظر الى الوقائع في سياقها التاريخي اﻻجتماعي الجيوسياسي....
منذ انتهاء حقبة الاستعمار وحصول دول المشرق على استقلالها مرت العلاقات العربية الاوروبية الامريكية بمراحل من المد والجزر كان اكثرها توترا وخطورة تلك التي اعقبت احداث الحادي عشر من سبتمبر وما نجم عنها من تغير في مفاهيم الامن والتهديد والارهاب.
وبالرغم من وجود علاقات استراتيجية بين العديد من النظم السياسية العربية وحكامها مع الغرب واستمرار نمو التبادل الاقتصادي بين الدول المصدرة للطاقة في اقليمنا والغرب.. الا ان العلاقات على مستوى الشعوب بقيت علاقة محدودة واقل ما يقال عنها انها باردة جدلية وخاضعة لكثير من التأثيرات العقائدية والتاريخية والسياسية...
فلم يكن بوسع العرب والمسلمين ان يتخلصوا من رواسب الاستعمار وغزوات الفرنج المتتالية للشرق واسهاماتهم في ايجاد ودعم الكيان الصهيوني والوقوف في وجه مساعي الشعب الفلسطيني لنيل حقه في تأسيس دولته على ارض فلسطين.
في العالم العربي انظمة سياسية تهيمن على الثروات والحريات وتحتكر المعلومات وتدير المؤسسات التشريعية والقضائية التي باتت شكلية بعد ان تم تفريغها من جوهر وجودها ووظيفتها.
غالبية النظم تقليدية ابوية ريعية لا تسمح بالاختلاف وتعيد إنتاج القيم التي تخدم ادامة هيمنتها على مقدرات البلاد ومصائر العباد.
وامام شعوبها والعالم تتبنى بعضها ظاهريا خطابا دينيا متزمتا مقابل ممارسات اقتصادية وسياسية واخلاقية بعيدة عن القيم الدينبة التي تبشر بها.
في وجه التناقض الحاصل بين الخطاب الديني المتزمت الذي تتبناه النظم العربية المحافظة والممارسات غير المتماشية معه تولد في العالم العربي والاسلامي حركات زعمت انها اصلاحية لكنها ذات فلسفة اصولية هدفها تغيير مناهج الحكم التي اعتبرتها مسؤولة عن تدهور اوضاع الامة وتردي احوالها.
وقبل ان تنمو هذه التنظيمات وبمجرد اكتشاف نواياها عملت الانظمة العربية وحفاظا على وجودها على قمع هذه الحركات ومحاصرتها مما ادى الى هجرتها واختفائها من المشهد العام في بلدانها وبحثت عن فضاءات جديدة تمكنها من التنظيم والتدريب والتخطيط.. حيث توجهت وتحت عناوين الجهاد الى كل المناطق والبؤر التي احتدم فيها الصراع بين مسلمين وغير المسلمين لترفع شعارات جهادية تمكنها من التعبئة والتنظيم..
مع تنامي الظلم والفساد والفقر وغياب العدالة اخذت الحركات تتوالد في العديد من بلدان العالم متخذة من البلدان الاسلامية مثل افغانستان والبوسنة والشيشان والعراق وباكستان والهند واندونيسيا والفلبين واليمن والسودان بؤرا لتدريب كوادرها واعادة توزيع عملياتها في ارجاء العالم.
. وشكلت هذه الجماعات الناشئة نقاط جذب للشباب المحبط على طول الفضاء العربي الاسلامي مما دفعهم للالتحاق بها حيث اكسبتهم رسالة جديدة ساعدتهم على تجاوز الازمة الروحية التي تولدت من التعارض بين ايدلوجيات دولهم المتزمتة وممارساتها التي تتعارض مع هذه الايدلوجيات والمسؤولة عن مشكلات الشعوب وتخلف الامة.
الشباب العربي المحبط و الغاضب يرى في الغرب المصدر الرئيس لكل معاناته وويلاته فمن ناحية يرى ان الاستعمار سببا رئيسا للتخلف...ومن ناحية اخرى يرى العالم الغربي سببا في وجود اسرائيل وسط العالم العربي من اجل تفتيته والحيلولة دون وحدته والعمل على ابقاءه في حالة تسهل السيطرة عليه...
ويرى غالبية الشباب العربي ان الانظمة الغربية تدعم النظم المستبدة والفاسدة لتسيطر على ثروات الامم مقابل تثبيت ودعم حكام لا يتمتعون بشعبية بين شعوبهم وتتغاضى عن ممارساتهم المخالفة لكل المبادي التي ينادون بها في بلدانهم.
لكل هذه الاسباب وجه الشباب الغاضب وتنظيماته الجديدة عدوانهم نحو الغرب ومصالحه مما اجج مشاعر كراهية الغرب للعرب والمسلمين ودينهم.. ودفع الى تولد ثقافة الكراهية وادبيات التحريض ضدهم في المجتمعات الغربية عامة والاكثر دعما لاسرائيل بشكل خاص.
تعبيرا عن الكراهية والمخاوف الغربية من الاسلام عبر بعض الفنانين في هولندا والدنمارك واخيرا في فرنسا عن هذه الكراهية برسومات مسيئة للرسول "صلعم" ظنا منهم بان العدوان والتدمير والتفجير والقتل الذي يقوم به بعض الشباب من المجتمعات العربية في اوروبا جاء بدوافع دينية مستنبطة من العقيدة الاسلامية والدعوة التي نشرها محمد عليه السلام..
الاستجابة الغربية المسيئة لمشاعر المسلمين عامة خلقت اسبابا اضافية للشباب الغاضب بان يستأنف هجمته على مصادر الاساءة فوقعت صحيفة شارلي ابيدو كآخر الضحايا ويهود المقهى والمتجر تاكيدا على ارتباط كل هذه الرموز باحباط الشباب المسلم وويلاته....
اليوم يتعمق اهتمام الغرب بالاسلام واهتمامنا بثقافتهم وتفكيرهم وتتفاعل الاحداث التي تختلط فيها رسائل التفاهم مع دعوات الكراهية والانتقام.. في كل ذلك فرص ثمينة للحوار وفهم الاخر والبعد عن التجييش.. فالصراع ليس في مصلحة احد فهل يمكن استثمار هذه الحالة.. كما استثمرها نتانياهو لزراعة المزيد من الكراهية.