" العرب" الهمج في المخيال الغربي
جهاد المحيسن
18-01-2015 02:38 AM
مر الفكر الغربي في علاقته بالعالم العربي بمراحل عدة، فقد تشكلت الصورة الاولى عبر كتابات الرهبان التي ترافقت في مراحلها المتأخرة مع الحروب الصليبية، والتي شكلت وعياَ ما يزال يسيطر على بعض السياسيين والمفكرين الغربيين حتى هذه اللحظة.
فقد شكل رجال الدين لديهم صورة بائسة وقبيحة ودموية للعرب المسيحيين والمسلمين في الشرق، لتسويغ حملاتهم الصليبية لغزو المنطقة، فتم تشويه صورة الرسول الكريم في الفترات المبكرة من الاحتكاك مع العرب ورسم صورة شهوانية ودموية وحيوانية للعرب وللنبي، حتى يتمكنوا من تحشيد الناس لحروبهم، لتخليص المقدسات المسيحية في فلسطين المحتلة من المسلمين الأشرار، وقامت حركة واسعة لدراسة القرآن الكريم وترجمته إلى اللغة اللاتينية، واعتبر المستشرقون الأوائل، جهودهم الفكرية نوعاً من الجهاد في محاربة الإسلام، ورسمتْ جهودُهم صورة فيها كثير من التشويه؛ وهي صورة تدلّ على جهل فظيع بالإسلام، وخطورتُها تتمثل فيما تركته من ترسبات في الذهنية الأوروبية.
يقول المستشرق الألماني رودي بارت إن الهدف الرئيسي من جهود المستشرقين في بداية الاستشراق في القرن الثاني عشر، وفي القرون التالية له؛ هو التبشير. وعرَّف التبشير بقوله: إقناع المسلمين بلغتهم ببطلان الإسلام، واجتذابهم إلى الدين المسيحي.
وفي محاولات التعرف على الإسلام، خلال القرن الثاني عشر، وتحت رعاية الكنيسة، قام بطرس الموقر الفرنسي ( ت 1156م) رئيس رهبان دير كلوني بتشكيل جماعة من المترجمين في إسبانيا يشتغلون بصورة جماعية للحصول على معرفة دقيقة بالدين الإسلامي. وبتوجيه من بطرس هذا تمّت أول ترجمة لمعاني القرآن إلى اللغة اللاتينية.
ومع حركة الاستشراق الثانية بعد حركة الكشوف الجغرافية، عمد بعضهم على تعميق هذه الصورة السلبية عن العرب والمسلمين، وتمهيد الطريق للتوسع الإمبريالي الذي جاء مبكراً في مصر والشمال الإفريقي، والأهم في الموضوع التزاوج الذي حدث بين الصهيونية المسيحية التي سبقت الصهيونية اليهودية، وتوحد الأهداف الدينية والسياسية بينهما في المنطقة العربية، والتي ولدت تيارات واسعة ذات أذرع فكرية وإعلامية ومالية نافذة في الغرب، لتشويه صورة العرب وتسويغ قتلهم وشتم معتقداتهم، وتأجيج الصراع الديني ما بين الشرق المسلم والغرب اليهودي.
فحادثة الصحيفة الفرنسية، واصرارها على نشر الصورة المسيئة والرد العنيف من القوى التنويرية والدينية عليها المسلمة والمسيحية، يؤكد على أن الغرب عليه تقديم فهم مختلف للواقع العربي، وأن يعي أن ما يحدث من ردات فعل من قبل العرب والمسلمين هو نتيجة لسياسته العنصرية، وماضيه البغيض في احتلاله للمنطقة العربية، وتوطيد الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ودعمه له بكل السبل بما فيها قتل الفلسطينيين وتهجيرهم.
على الغرب أن يخجل من نفسه على هذا السلوك غير الأخلاقي واللاإنساني بحق الشعوب والثقافات الأخرى وخصوصا العرب، وعلى فرنسا تبييض جزء من صفحتها السوداء بحق العرب والمسلمين عندما قامت سابقا بتخليد احتلالها للجزائر من خلال طابع تذكاري عليه كومة من جماجم الجزائريين!
(الغد)