الأحزاب وجماهيريتها المفقودة ..
12-04-2008 03:00 AM
في عام 1989 عادت الحياة الديمقراطية للاردن ، بعد مرحلة زمنية تجاوزت الثلاثين عاما ، عاشتها الاحزاب تحت الارض ، وهي ما سميت بمرحلة العمل السلبي ، لكن الحرب على تلك الاحزاب في تلك المرحلة ، لم تكن حربا ضروسا دائما ، بل عاشت الاحزاب مراحل متفاوته ، غض الطرف عن نشاطها في بعض المراحل ، خاصة في العقد الاخير من تلك الفترة .
بعد عودة الديمقراطية ، عادت الحياة البرلمانية الفاعلة ، فكان برلمان عام 1989 مميزا في تعددية توجهاته ، وفي فاعلية ما انجز ، صدر في عهده قانون جديد للاحزاب ، والغيت قوانين عفى عليها الزمن ، مثل قانون مكافحة الشيوعية ، وبدأت الاحزاب تستعد للظهور العلني والقانوني ، واطلت على الساحة احزاب جديدة ، حتى تجاوزت العشرين حزبا ، ووصلت اليوم الى اربعة وثلاثين حزبا .
لكن الفرحة لم تكتمل للكثيرين ، بعد التطورات السياسية التي هزت العالم ، وتمثلت في انهيار الانظمة الاشتراكية ، فساهم ذلك الحدث في اضعاف الاحزاب اليسارية ، بدل ان تساهم الديمقراطية الفتية التي عاشها الاردن في انتعاشها ، ثم كان سقوط بغداد عام 2003 عاملا في اضعاف احزاب قومية .
كانت المفاجأة الكبرى بعد عودة العمل الحزبي الى العلن ، هو في ضآلة المنتمين لهذه الاحزاب ، والتي كان المرء سابقا يظن انها سوف تعاني من الحمولة الزائدة ، وان الالاف سوف تتسابق للانضمام لها ، لكنه وبعد تسعة عشر عاما من الديمقراطية ، لم يتجاوز الانتماء لمعظم الاحزاب المئات ، لا بل ان بعضها وجد صعوبة في تأمين عدد خمسين من المؤسسين .
ومما يؤكد وجود الخلل في العمل الحزبي ، الازمة التي تعيشها بعض الاحزاب الاردنية هذه الايام ، وهي تستعد لتصويب اوضاعها ، وفق قانون الاحزاب الجديد ، الذي نص على ان يصبح عدد المؤسسين خمسمئة عضو ، وهذا هو الحد الادنى ، وان يتوزع نصفهم على خمس محافظات بالتساوي ، حيث ظهرت الى العلن الصعوبات التي تواجه هذه الاحزاب لتحقيق ذلك ، وجعلها تعيش ازمة حقيقية ، هي بالاصل موجودة منذ بداية الديمقراطية ، لكن المحرج لها الآن هو في ظهورها للعلن .
يجب الاعتراف ، بانه بعد حوالي عقدين من الديمقراطية ، لم تستطع الاحزاب الوصول الى الجماهير ، وهي التي انشئت لهم ومن اجلهم ، هذه الفترة الزمنية الطويلة ، كافية لبناء دول عظمى ، لذلك على الاحزاب ان تعترف بنكستها ، وان تبحث عن الاسباب الذاتية لهذه الانتكاسة ، ولا تسقط اسباب الفشل على الظروف ، فالشعب الذي انتمى للاحزاب وتفاعل معها قبل عشرات السنين ، وضحى بالكثير في سبيل انجاح مسيرتها ، هو نفس الشعب ، الذي يحجم عن المشاركة بنشاطاتها اليوم ، والظروف السياسية البائسة في تلك الفترة ، هي الأسوأ اليوم ، فالخلل موجود في الاحزاب نفسها ، وعزلتها عن جماهيرها ، هو بسبب افتقادها للبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، التي تتماشى مع تطور الزمن والظروف ، وتلبي طموحات الجماهير ، او على الأقل تكسب تعاطفها ، لكنها هذه الايام ، تفتقد الرغبة في الانتماء لها ، وتفتقد ايضا التعاطف معها ، لقد كانت الجماهير خلال العقدين الماضيين ، تراقب ادائها ، وتطابق بين الشعارات التي كانت ترفعها ، وبين ممارسات الواقع ، فلم تجد فيها القدوة ، فالديمقراطية التي طالما نادت بها الاحزاب ، تفتقدها في ممارساتها تجاه اعضائها ، فهل يعقل ان تتصدى الحكومة لدمقرطة الاحزاب ، فترفض الاحزاب ذلك ، هذا ما حدث عندما اشتمل قانون الاحزاب الجديد ، على بند يلزم بعدم انتخاب نفس الامين العام للحزب ، لاكثر من دورتين متتاليتين ، فتحتج الاحزاب على ذلك ، وكاني بها تريد زعيما للابد ، فاين الديمقراطية التي تنادي بها ؟ وكيف تصبح الحكومة اكثر ديمقراطية من الاحزاب ؟
والفساد الذي كان من اكبر العناوين ، التي رفعت الاحزاب راية محاربته تمارسه داخلها ، وبنفس الوقت تغير نمط الاداء الحكومي ، فاصبحت الشفافية ابرز سمات العلاقة مع المواطن في كثير من المجالات ، واصبح الكثيرون يحسون بالتقدير لاداء مجلس الاعيان ، تجاه مصالح الشعب ، وهو مجلس الملك الخاص ، وليس مجلسا للشعب .
هناك من يقول ، ان مرحلة الاحكام العرفية ، التي سادت قبل عام 1989 ، ما زالت تعشعش في عقول الناس ، فيخشون الانخراط في العمل الحزبي ، وهي حجة واهية ، فالحكومة اصبحت "تترجى" الناس كي ينخرطوا في الاحزاب ، ومرحلة الاحكام العرفية انقرضت منذ زمن طويل ، وظهر جيل من الشباب لم يكتوي بنارها ، ولم تعد تلك المخاوف تراودهم ، وهم يثقون بصدق توجهات الحكومة لتفعيل العمل الحزبي ، وهم أذكى من ان تنطلي عليهم مثل هذه الحجج ، وما على احزابنا الا ان تبتعد عن مداواة نفسها ، بما كان هو الداء .
m_nasrawin@yahoo.com