الخبر الذي كان مانشيتا للصحف أمس عن مسارعة جلالة الملك الى لقاء رئيس الوزراء بعد عودته فجرا من جولته الاوروبية ليطلب اجراءات عاجلة خلال يومين للحدّ من ارتفاع الأسعار وتحسين ظروف الناس يعكس حساسية سياسية وذكاء اعلاميا في التعامل مع أزمة الغلاء.
وقد أعاد الخبر تذكيري بسقطة مشهودة للتلفزيون الأردني حين كانت الاحتجاجات تنفجر على رفع سعر الخبز عام 96 فجاء الخبر الأول على الشاشة عن افتتاح "رالي السيارات" المترف والمكلف وقيل يومها إن رئيس الوزراء عبد الكريم الكباريتي أخذته نوبة غضب عارمة على التلفزيون واتصل معنّفا اياهم بشدّة.
لكن الغريب ان الإعلام الرسمي لم يكن مصدرا للخبر أو على صلة به فقد انفرد موقع عمّون الالكتروني بنشر المعلومة، كسبق خاص، فاهتمت به الصحف وظهر صباح أمس على الصفحة الأولى في الرأي والغد والدستور.
مع ذلك لم يكن الأمر مجرد معلومة حصل الموقع على السبق بنشرها، فقد كانت هناك رسالة سياسية واضحة في صياغة الخبر من "المصدر المأذون" اذ حرص على التذكير أن جلالة الملك استمر يتابع أولا بأول كافة القضايا المتصلة بمعيشة المواطنين والجهود لتخفيف معاناتهم مشيرا الى ما تمّ حتى الآن من اجراءات، مثل تخصيص نصف مليار دينار لشبكة الأمان الاجتماعي وبرنامج تنفيذي لمبادرة الملك "سكن كريم لعيش كريم" والغاء الرسوم والضرائب على 13 سلعة اساسية. ولا غبار ابدا على هذا الأسلوب غير التقليدي في تمرير الخبر من خارج القنوات الاعلامية الرسمية فهو يتيح مرونة في الصياغة وتمرير الرسائل بصورة أكثر تحررا وفعالية.
طبعا الادارة الاعلامية للموقف مهمّة، لكن يبقى الأساس هو الأداء على الأرض، ولعلّ ما يجري في مصر يطلق صفارات الانذار لنا في الاردن، ويشرح أهمية ودلالات التشديد الملكي على ضرورة اجراءات عاجلة وملموسة.
نتوقف عند الغاء ضريبة المبيعات على بعض السلع، اذ يبدو أن المواطنين لا يشعرون بأثر لها حتّى الآن، وفق استطلاع على موقع وكالة الأنباء الأردنية بترا، والحق أن الموقع تطور شكلا ومضمونا بصورة لافتة تستحق التقدير، فقد قال 90% من المشاركين أنه لا أثر لها، وقال 6% أن لها أثرا متواضعا، وهاهي نشرة الاحصاءات العامّة عن الربع الأول لهذا العام تشير الى ارتفاع متوسط نسبة التضخم بنسبة 10,76%، والمعدّل التراكمي لسلع استهلاكية رئيسية أعلى من ذلك بكثير.
انه لتحّد لا تحسد الحكومة عليه أن تقدّم في غضون الايام القادمة مقترحات فعّالة للحدّ من الغلاء، وهناك محددات لا يمكن القفز عنها، فالكلف في كل المجالات ارتفعت والموازنة في عجز شديد، لكن الناس ترى أن العدالة مفقودة في تقاسم الأعباء وأن الأسعار تنفلت بأعلى مما يبرره ارتفاع الكلف.
في كل الأحوال يجب تعميم التحدّي على الجميع للمشاركة في تقديم أفكار، وعلى الحكومة ان توسع صدرها وتسمع وتساجل حول الممكن وغير الممكن من المقترحات.
jamil.nimri@alghad.jo
عن الغد.