كانت عطلة "الثلج" مناسبة جيدة لإعادة النظر في الكثير من الأمور، أولها تنشيط الذاكرة الثقافية، من خلال قراءة كتب مفيدة، بعيدة عن التجاذبات التي تحصل على الفضائيات المملة، التي اعتدنا عليها في الفترة الماضية، وأضرت بالكثير من المخزون الثقافي والحضاري والديمقراطي الذي خزن في العقول، في حقبة ما قبل الفضائيات!
خلال العطلة كان من المفيد مطالعة مقالات هنا وهناك، وأثارني مقال كتبه وزير التنمية السياسية السابق والعين الحالي بسام حدادين، نشره عبر موقع "عمون" الإلكتروني، وحمل عنوان "هل مجلس الأعيان مجلس الملك؟"، وفيه ناقش مقولة طالما ترددت على ألسنة ساسة ورجال دولة في المجالس الخاصة، وأحيانا في محافل عامة، بأن الغرفة الثانية للبرلمان (الأعيان) هي مجلس الملك.
العين حدادين يرد على تلك المقولة، ويخرج باستنتاج مفاده أن المجلس يستمد صلاحياته من المواد الدستورية التي نصت على دوره، وبالتالي فإن إدامة الحديث بهذه المقولة، من شأنه إضعاف الدور الرقابي والتشريعي للمجلس، والذهاب به بخلاف ما أراد له الملك. وحدادين يذكر أن الملك طلب من مجلس الأعيان في جلسة خاصة ضرورة تطوير دوره وتحمل مسؤوليته الدستورية كاملة.
حدادين، فتح ملفا جريئا يمكن أن يفتح الجدل على الكثير من الأسئلة والمقترحات الإصلاحية، التي من شأنها تعزيز الحياة الديمقراطية، ويمنح الإصلاحات، التي شرع بها الملك وما يزال يصر على تعزيزها، دورا مهما في سيرورة دولتنا المدنية العصرية.
لا شك فيما ذهب إليه حدادين، من دفع بأن مقولة "مجلس الملك" التي تطلق على "الأعيان" خاطئة، ولا تستقيم مع الدور الدستوري للمجلس، ولا مع الهدف الذي جاء من أجله، حيث يستنتج من ذلك، أن المجلس تحت "إبط" الحكومة، باعتبارها حكومة الملك، وإذا ما تعززت مقولة أن "الأعيان" هو مجلس الملك، فإن ذاك من شأنه أن يطيح بالدور الذي نص عليه الدستور للمجلس، وأفرد له فصلا كاملا.
أتفق تماما مع مذهب العين حدادين، وأعتقد أن تسويق تلك المقولة، إنما يعتمدها محافظون، ورجال دولة عفا عليهم الزمن، ويريدون من ذلك، إدامة الفكر الراديكالي الذي كان سائدا في شرايين الدولة. وهؤلاء يرفضون بشدة أي فكر ديمقراطي إصلاحي متطور، ويقاومون أي صوت ينادي بإصلاح حقيقي، من شأنه ان ينقل البلاد والعباد من مفصل لآخر، وأن يحقق الرؤية التي طالما دعا اليها الملك، وفي مفاصل مختلفة.
بالمجمل، فإن ما ذهب اليه حدادين ودعوته لمقاومة تلك المقولة من شأنه إعادة الهيبة التشريعية لمجلس الأعيان، التي لمسناها في أوقات سابقة، وشاهدنا الدور الذي يمكن أن تلعبه "الغرفة الثانية" في المجال التشريعي، وكيف يمكنها فرز تشريعات إصلاحية توافقية، تعزز الدور الأساسي للدولة، وتمنح السلطة التشريعية دورها الحقيقي، الذي من شأنه الارتقاء بالمؤسسة التشريعية بشكل عام.
أتفق أنه لا يجوز ان يختبئ البعض خلف تلك المقولة، لجهة تمرير أي مواد تريدها الحكومة وحدها، بحيث يتم الضغط على "الأعيان" باعتباره "مجلس الملك" لتمرير هذا القانون أو ذلك.
التطور الديمقراطي يعني أن نصل للأمور التي نريدها مرحلة إثر مرحلة، وهذا يعني أنه من الممكن أن نشهد في الأيام المقبلة، انتخاب نصف عدد أعضاء مجلس الأعيان مثلا، كخطوة أولى على الطريق. وهنا لا بد من استذكار ما قاله جلاله الملك لرئيس مجلس الأعيان ورؤساء اللجان الدائمة، عندما أكد على أهمية دور مجلس الأعيان في دعم وتعزيز مسيرة التحديث والتطوير والتنمية، وفق شراكة وتكامل مع جميع السلطات، بما يمكّن الأردن من إنجاز برنامجه الإصلاحي الشامل.
جلالته، أشاد يومها، بالدور التاريخي للمجلس في مسيرة البناء الوطني، والتصدي للتحديات التي تواجه الأردن، عبر السعي لإنجاز التشريعات التي تلبي طموحات المواطن، وتعزز ثقته بمؤسسات الدولة.
"الغد"