إجتماع الفجر وهموم الملك!
د. ابراهيم سيف
11-04-2008 03:00 AM
لم تكن مصادفة أن يترأس جلالة الملك اجتماعا فور عودته من جولة أوروبية، إذ رغم التطمينات العديدة، ورغم الحديث عن نمو الربع الأخير من العام الماضي، فإن آثار ذلك النمو لم تصل الى الشرائح المطلوبة، كذلك فإن الحديث عن تضخم ثنائي المنزلتين بات أقرب الى الحقيقة، كل هذا يعني ضائقة مالية تعاني منها معظم شرائح المواطنين. وهذا يعني ضرورة منح موضوع الأسعار أولوية ،ويتطلب ذلك إجراءات جدية من قبل الحكومة.
لقد دخل الأردن عهدا جديدا شهد مرحلة ِ مهمة في التحول الاقتصادي والاجتماعي، وشهد تراجع دور الدولة الراعية، فرفع الدعم عن المحروقات والذي يعتبر من أهم القرارات التي اتخذتها الحكومة ليس مسالة مالية بحتة، بل يؤذن بمرحلة سوف يصبح فيها المستهلك متأثرا بمتغيرات الأسعار العالمية، سلبا وإيجابا.
والمسألة لا تتعلق فقط بسلعة النفط بل بالسؤال الكبير المتعلق بكيفية محاربة ارتفاع الأسعار وانفلاتها. والحل برأينا لا يتمثل بالمناشدات، ولا بفرق مراقبة الأسعار التي تجوب الأسواق والتي نعرف نتائج أعمالها سلفا، فهذه الفرق تراقب الالتزام بالأسعار المعلنة، وهذه هي مهمتها، فهي لا تعمل على ضمان تخفيض الأسعار أو مدى التزام التجار بالتطورات العالمية.
وهذا مفهوم، فليس مطلوبا أن يكون هناك مراقب أسعار أمام كل متجر، بل المطلوب هو إطلاق القوى المجتمعية المحلية التي تستطيع أن تدافع عن نفسها ومصالحها كمستهلكين، وحتى تكون الصورة أوضح، فإن المطلوب تعزيز الفعاليات الشعبية والنقابية وتوفير المعلومات اللازمة لها حتى تستطيع التأثير في القرارات التي يتخذها أصحاب الأعمال.
والاقتصاد الأردني في العديد من قطاعاته شديد التركز ويعاني من الاحتكار في العديد من القطاعات، أي أن هناك عددا محدودا من كبار التجار والصناعيين في كل قطاع، هذا العدد المحدود يخلق ما يعرف في الأدبيات الاقتصادية "احتكار القلة" ، هذه التركيبة في السوق ، ووجود القدرة على التنسيق في الأسعار والحفاظ على هوامش الأرباح لتلك الفئة تجعل الأسعار المحلية ثابتة وليس من السهل تخفيضها.
ولن يتوفر الحافز لتلك الفئات – بغض النظر عن المناشدات- لتغيير سلوكها، وحتى مراقبتها ستكون صعبة، وطالما أننا نسير في طريق التحول الاقتصادي نحو المزيد من "الليبرالية"، فإن الحلول المجتزأة لا تكفي، بل ستفقد عملية التحول الاقتصادي الكثير من مضامينها الايجابية، فالتحول نحو اقتصاد السوق يعني كذلك تطوير آليات ومؤسسات قادرة على تحقيق التوازن بين مصالح المستهلكين "المبعثرة" وبين مصالح المنتجين والتجار "الموحدة"، بغياب هذه الآليات التي تحتاج إلى تأطير سيبقى المستهلك هو الحلقة الأضعف و الطرف المتلقي في المعادلة ، وستتواصل المناشدات بلا فائدة .
وحتى الآن ومع كل التطورات التي حصلت خلال الشهور القليلة الماضية، لم نشهد تغييرات جدية في السياسة النقدية التي باتت إعادة النظر فيها ضرورية، مع استمرار تدهور الدولار وانتشار ظاهرة التضخم المستورد، في نفس الوقت الذي لا ترتفع فيه الصادرات الأردنية.
أما سياسات سوق العمل فلا زالت تعتمد على استيراد العمالة الرخيصة، ولا زال أصحاب رأس المال قادرون على تحقيق هوامش الأرباح المرتفعة، في الوقت الذي يعاني فيه أصحاب الدخول المحدودة وتبقى البطالة مرتفعة عند 14 في المائة.
هناك حاجة لوضع إطار اقتصادي شامل يتعاطى من التحديات التي نواجهها والتي يأتي التضخم على رأسها ، أما الموقف الحكومي شبه المحايد ، فهو لا يعبر عن واقع وتركيبة الاقتصاد، فالوقوف على الحياد يعتبر مبكرا، فالضائقة باتت تطال الجميع وتساؤل ... ما العمل بات جديا أكثر من أي وقت مضى >
.............
الكاتب رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الاردنية وكاتب عامود اقتصادي يومي في الدستور الاردنية .